مقالات

إعتداءات باشدار.. أيادي الإنقلاب وفلول النظام البائد

شريف يس:

أحداث الثلاثاء 26/07 والاعتداء على موكب (الوطن الواحد) في باشدار لنبذ خطاب الكراهية والعنصرية، الذي دعت له الحرية والتغيير، يمثل تطوراً خطيراً في المواجهات و العنف باستخدام المسدسات والملتوف والسواطير والسكاكين والعصي والغاز المسيل للدموع، لفض التجمعات والمواكب والتظاهرات السلمية، ويؤشر بوضوح لدور وأيادي الانقلاب والأجهزة الأمنية ومليشيات النظام البائد، الذي كان ظاهرا للعيان في خلط الأوراق والتخريب وإشعال الحرائق والاغتيالات وإرسال رسالة بأن المواكب لم تعد سلمية بهدف زرع الفتنة والبلبلة وإحداث الوقيعة والمزيد من الشرخ والشقة بين قوى الثورة، وجر البلاد للفوضى والانزلاق الأمني وإغراق المشهد السياسي بالدماء، وقد بلغ عد الشهداء منذ انقلاب 25 أكتوبر 116 شهيداً.

ثقافة العنف لن تستثني احدا خاصة في غياب مؤسسات الدولة والهشاشة والسيولة الأمنية، والمؤامرة والمخطط كان كبيرا ولكنه لم ينفذ بالكامل وهو محاولة بائسة وفاشلة لجر الحرية والتغيير للرد عليهم بنفس أسالبيهم العنيفة والدموية.

يبدو أن خروج قوى الحرية والتغيير بقياداتها ولافتاتها وشعاراتها والعودة لقيادة الحراك السياسي وأن تكون مؤثرة في الشارع السياسي، تتقاطع مع محاولات الانقلابيين لتكريس وتمدد سيطرتهم على السلطة وألا يذهب الانقلاب العسكري، ومحاولاتهم شيطنة و تغذية خطاب كراهية قوى الحرية والتغيير، ومنع أي تقارب وتفاهم بين لجان المقاومة والحرية والتغيير لمصلحة قوى الثورة، واستثمار الخلافات والتباينات والتباعد بين قوى الثورة السودانية في إطار التصريحات وحرب البيانات المزايدة التي تؤجج الفرقة والشتا ت وسط قوي الثورة المناهضة للانقلاب والدفع باتجاة الاحتكاك والتصادم في الشارع ومنحدر العنف ومنع وضرب أي محاولة لإعادة تماسكها ووحدتها لإيقاف وهزيمة الاتقلاب وقوى الثورة المضادة عبر الكذب والتضليل وبث الشائعات المغرضة واستخدام تكتيكات مختلفة وتوزيع الأدوار لتسميم الأجواء السياسية وتغذية الخلافات والتباينات.

لجان مقاومة الديوم الشرقية تتحمل جانباً من المسؤولية، حيث تم اختراقها واستخدامها واختطافها واستغلالها من عدة أطراف وجهات، حيث مثل بيان لجان الديوم الشرقية الذي ارسل تحذيراً ومنع إقامة أي منصة أو مخاطبة في باشدار إلا للجان المقاومة، وترك الموقف مفتوحا على عدة سيناريوهات وتوقعات في تهيئة الأجواء على دائرة الحدث مما وفر غطاء سياسياً اختبأ خلفه المجرمون والقتلة والمخربين لتمرير أجنداتهم وأهدافهم، ووفر فرصة لاستغلاله لارتكاب العنف والتعدي على قيادات الحرية والتغيير، ولصرف الأنظار عن الفاعل والمدبر الحقيقي وإلصاق التهمة بلجان مقاومة الديوم، التي رفضت ونددت بالعنف الذي صاحب موكب (السودان الوطن الواحد) وأدانته باغلبيه ساحقه، واعتبرت أن ماحدث نتيجة للتشاكس السياسي داخل اللجان والاستيلاء على الصفحة السابقة، وخطف صوت القواعد، ونشر بيان لا يعبر إلا عن الذين نشروه. الإعتراف بالخطأ والنقد والمراجعة مطلوب وألا نعطي الفرصة للمتربصين وأعداء الثورة من الفلول وقوى الثورة المضادة لشق صف الثورة وإضعاف الشارع ومهاجمته وتفكيك الحراك الثوري والجماهيري، وأن تظل قوي الثورة متنازعه بعيدة عن تشكيل الكتلة الحرجة لاسقاط الانقلاب. لاشك أن لجان المقاومة هي الأكثر نفوذا وتأثيراً في الشارع وتعتبر لاعبا أساسيا يتصدر المشهد السياسي في إعلان المواكب والمسيرات والتخطيط لمساراتها، وقدم شبابها الجسور الشهداء والتضحيات الغالية وتتعرض للعنف والقمع الواسع في مواجهه الانقلاب والتصدي له، لاستعادة المسار المدني الديمقراطي والتي تجد التقدير والاحترام ،وكافة الاحزاب والاجسام والكيانات المختلفه موجودة في لجان المقاومة ،ولكن استقلالية لجان المقاومه مبدأ مهم ويجب ألا تجير لخدمة أي خط أو موقف سياسي لأي حزب، والثورة السودانية لم تبدأ بباشدار ولن تنتهي بها.

تراكم نضالي استمر لأكثر من ثلاثين عاما قدمت فيها جماهير شعبنا والأحزاب السياسية من قياداتها وكوادرها وعضويتها للسجون والمعتقلات وبيوت الأشباح، شهداء ضباط 28 رمضان وشهداء العيلفون وطلاب الجامعات السودانية وشهداء أمري وكجبار وبوتسودان وانتفاضة 2013 ، وأكثر من 450 ألف موظف وعامل احيلوا للصالح العام و13 ألف ضابط وضابط صف وجنود و 1115 ضابط شرطة، أدخل الاخوان المسلمين العنف الممنهج في السياسة السودانية ،وعملوا على تصفية الخصوم، ومارسوا وانتهكوا رجولة الرجال واغتصبوا النساء وارتكبوا كافة أشكال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
ما حدث في باشدار نتاج لغياب أي شكل من أشكال الجسم التنسيقي أو المركز الموحد الذي يكشف حالة التشرذم والشتات كما أنه لا يحق لأي جهة أو قوى ممارسة الوصاية على الجماهير وإدعاء احتكار الشارع السياسي وحرية التعبير ومصادرة الرأي الأخر، وهذا يتعارض مع قيم ومبادئ الديمقراطية والعدالة والحرية والسلام واحترام حقوق الإنسان كما لا يجوز منع القوى السياسية والحرية والتغيير من إقامة منصة ومخاطبة الجماهير من تقاطع باشدار، والذي يطالب بالديمقراطية لا يستطيع مصادرتها من الآخرين، ولجان المقاومة لا تمتلك حق الفيتو في مواجهة القوى السياسية والحزبية، كما أن لجان المقاومة تعاني من ضغف الخبرة السياسية والتنظيمية والنضج والوعي السياسي الكافي والأساس الفكري. والديمقراطية سلوك وممارسة وثقافة وتربية ولا توجد ديمقراطية بدون أحزاب وحياة حزبية، والشوارع لا تخون وهي ليست ملكاً لأحد ومن حق الجميع التظاهر في أي موقع ومكان، وجماهير شعبنا بكافة قطاعاتها وفئاتها شاركت في الثورة السودانية وعلينا التعلم من درس باشدار.
الابتعاد عن المزايدات والتخوين والابتزاز والهتافات العدائية التي تنظر باستعلاء واستخفاف واستصغار للأحزاب السياسية في محاولات الكسب السياسي، وألا نفتح ثغرة في جدارة الثورة وأن نتحلى باليقظة والحذر من مخططات الأعداء ومحاولاتهم المستمرة لتقويض الثورة وإخماد جذوتها وإعادة انتاج الانقاذ ومنح الانقلابيين فرصة مضافة لتسيدهم وفرض سيطرتهم على الحكم في البلاد، لذلك يجب توحيد الخطاب السياسي بين القوى السياسية وقوى الثورة والتوقف عن خطاب استعداء الأحزاب والابتعاد عن التنافر بين الحرية والتغيير والقوى السياسية والمدنية ولجان المقاومة والنظر بعين الاعتبار لمنع الشيطنة والتخوين والاختراق والاتهامات الرخيصة ومعالجة التباعد والخلافات وتعزيز روح الثقة والعقلانية والشفافية، وأن نعمل على إفساح المجال للحوار والنقاش والإقناع في إطار التنافس السلمي والديمقراطي وبروح المسؤولية والعمل المشترك والقبول بالآخر والتصالح والتفاهم معه من خلال الأفكار والبرامج المشتركة.

كما أن تعدد مراكز الثورة لا يمنع من الحوار والتفاكر والتقارب مع الآخر وفي مستويات متعددة والقدرة على إدارة تبايناتها واختلافاتها لأن قوى الثورة هي مفتاح حل الأزمة الوطنية والذي يتطلب ضرورة وإمكانية عقد مائدة مستديرة أو مؤتمر جامع لمناقشة كافة القضايا والمهام والترتيبات الدستورية الجديدة وإجراء المراجعات والخروج برؤية لوحدة الصف في إطار مركز موحد للمعارضة أو إطار تنسيقي يجمع كافة القوى السياسية والمدنية والمهنية والنقابات ولجان المقاومة من خلال الاتفاق على برنامج ووسائل وأدوات وآليات للعمل، والتمسك بالسلمية وابتداع الوسائل والأدوات المشروعة لتصعيد النضال واستدامته وتعزيز دورة في معركة الإعداد للإضراب السياسي والعصيان المدني لهزيمة الانقلاب وتغيير نظام الحكم واستعادة المسار المدني الديمقراطيين واستكمال أهداف الثورة السودانية، والمحافظة على أمن واستقرار وسلامة البلاد من التحديات والمخاطر والانزلاق في اتون الحرب الأهلية والفوضى الخلاقة.

shareefan@hotmail.com

01 أغسطس 2022م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق