منوعات وفنون

كتابات على جدران الحب.. من وحي زيارتي لعطبرة 20 يوليو-4 أغسطس 2022

الملمح الثاني: منتديات المدينة الشعبية

بقلم/ هشام عباس زكريا:

في صيف العام 2016 بمحافظة الأحساء شرقي السعودية زارني الأخ العزيز الأستاذ خليفة حسن خليفة نجل الفنان الكبير العطبراوي، وسألته: لماذا لم يغادر الأستاذ العطبراوي عطبرة ويهاجر للخرطوم حيث الإعلام والشهرة كسائر الفنانين في السودان؟ فقال لي: في يوم من أيام الخريف إنكسر المرق الرئيسي لإحدى غرفنا بالمنزل بعطبرة، فذهب والدي لمسؤول في الأشغال يطلب (مرقاً) جديداً فكان القرار الاجتماعي لأهل المدينة ببناء منزل له من خلال منظمات المجتمع المدني ومنتدياتها التي كانت ومازالت تفوق قوة القرار السياسي. قال لي: كيف يترك العطبراوي مجتمعاً أعطاه كل هذا الحب و التقدير؟


*تذكرت هذه المقولة ومازالت هذه المنتديات تمارس قوتها الثقافية والاجتماعية والسياسية، هي برلمانات شعبية موجودة في الأسواق والأحياء والمقاهي والأركان.

*لاتكتمل الزيارة إلى عطبرة الا بزيارة هذه المنظمات و المنتديات الممتدة في أرجاء المدينة ، فنزلت في منتدى الإثنين و رئيسه الأستاذ حسن أحمد الشيخ بمكتبه الأنيق الرحب في سوق عطبرة، هذا المكتب دون شك هو ذاكرة المدينة، ففيه الكتب والقصص و الحكايات و الناس العظماء.

*في منتدى الإثنين تعيش عطبرة تأريخاً وواقعاً و مستقبلاً، هنا تجد الدكتور عثمان السيد والأستاذ الشاعر هاشم حسن الطيب و الأستاذ الشاعر المهندس علي محجوب (قطار الشوق) والعديد من رموز المدينة وقادة الثقافة فيها ، في منتدى الإثنين تنزل من كاهلك عناء الغربة وطول أيامها و شدة لياليها، كم كان حلمي أن يتحول منتدى الإثنين إلى دار فسيحة يرتادها الناس صباحاً و مساءً ليستفيدوا من هذه العقول التي تختزن العلم والحكمة و الثقافة .


* في حي الداخلة العريق و على شاطئ النيل قبالة نادي النجوم تجد منتدى (جري الاجتماعي الثقافي) ورئيسه الأستاذ أبو القاسم جري صاحب الاسهامات الاجتماعية الكبيرة و المتنوعة، وعلاقتي بهذا المنتدى قاربت نصف قرن من الزمان التقيت هنا برجال عظماء عركتهم الحياة و صقلتهم تعلمت منهم الكثير، رحل منهم من رحل إلى دار البقاء ولزم بيته من لزم بسبب المرض، وبقي البعض منهم يزين مقاعد هذا المنتدى العظيم التي جلست فيها كثيراً مع عظماء أمثال الأستاذ عبد المنعم أحمد عيسى والدكتور سيد أحمد الخطيب والعم العزيز الأستاذ محمد أبوشنب(أزرق) والدكتور عبد المنعم بلة والأستاذ السرور حسن السرور وقابلت فيه لأول مرة الأستاذ عبد الله علي إبراهيم الذي يحرص أن يكون في هذا المنتدى عند زياراته للسودان وغيره من العظماء،كنت أجلس معهم فلم أسمع إلا الخير و المعلومات الجديدة المفيدة و السعي لحل مشكلات الناس .

*في وسط سوق عطبرة قبالة مقهى ود البيه التأريخي يقع منتدى الصديق العزيز شيخ التوم (خالد حامد) الاجتماعي وهو مجلس شعبي نجد فيه جميع فئات المجتمع بمهنهم المختلفة، فهناك رجل الأعمال الثري، و الفقير، و الطبيب و الدراويش و السياسي، كلهم في مجلس واحد عند (شيخ التوم) برلمان لايستطيع صنعه إلا التوم وأمثاله، وهو رجل له مقدرة هائلة في التعامل مع كل ألوان الطيب السياسي و الاجتماعي، و أمثال (التوم) هم الذين يحق لهم أن يكونوا على رأس إدارة شؤون الناس ، تغيرت عطبرة و مبانيها و ناسها، و يظل (مجلس التوم الشعبي) معلماً ثابتاً من معالم المدينة، و داراً لأبي سفيان، وملاذا لكل قادم إلى مدينة الملتقى.

* غربي مدينة عطبرة وأنت نازل من كبري الحرية في اتجاه الغرب تقع حديقة العطبراوي، وفي داخلها منتدى (عمر دقيق الثقافي الاجتماعي)، وقد تأسس هذا المنتدى قبل سنوات عديدة مع بدايات إنشاء حدائق الرشيد مهدي أمام عمارة عباس محمود و حديقة العطبراوي بجوار مكاتب العموم بالسكة حديد، و قد ساهم الأخ عمر دقيق في تأسيسه بقدرته الكبيرة في بناء علاقات مع كافة أطياف المجتمع و اهتمامه بمنظمات المجتمع المدني.

في هذا المنتدى قابلت سياسين و مثقفين وقادة إدارات أهلية ورجال مجتمع، وفيه تدارسنا سيرة الشريف حسين الهندي مع رفيقه الأستاذ محجوب محمد عثمان، وفيه شهدنا لقاءات مع فنانين و مبدعين أمثال المرحوم بادي محمد الطيب و أطربنا فيه كثيراً الفنان هاشم عمر، وفيه كانت جلساتنا مع عظماء أمثال الأستاذ عبدالحافظ عبدالسلام و الأستاذ صلاح حسن سعيد و غيرهم، من الأشياء الجميلة التي شعرت بها في زيارتي أن حديقة العطبراوي من المعالم التي رأيتها و هي في تطور ونماء، حيث اعتنى الأخ عمر دقيق بالحديقة والإنارة وباتت من الأماكن الدافئة بالمدينة ، منتدى عمر دقيق معلم بارز من معالم المدينة، وعمر دقيق نفسه روح وثابة للخير والتنمية والإعمار.
*تلكم نماذج فقط من منتديات المدينة الشعبية ولا شك أن في كل حي من أحياء عطبرة برلمان شعبية تذخر بالعظماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق