مقالات

إنهاء تفويض البعثة الأممية.. بداية لسودان القرارات القوية

حـدود المنطق

إسماعيل جبريل تيسو:

أن تأتي متاخراً خيرُ من ألا تأتي مطلقاً، وهذا ما فعله السودان بإعلانه إنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال “يونيتاميس” ارتكازاً على ما وصفته الحكومة السودانية بفشل وإخفاق “يونيتاميس” في عملها وواجباتها المنصوص عليها في التفويض الممنوح لها، وهي خطوة جريئة من قبل الحكومة السودانية لتمزيف فاتورة الوجود الأجنبي المقنن والمستظِل ( براكوبة ) الأمم المتحدة في سبيل تحقيق أهداف ومباديء تبدو في ظاهرها نبيلة كبناء السلام وحماية المدنيين وتعزيز الانتقال الديمقراطي السلس، ولكن باطنها يتسم بالسعي لتنفيذ أجندات خفية.

لقد كان التفويض الممنوح لبعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان “يونيتاميس” يركز على تقديم الدعم للسودان، من خلال العديد من المبادرات السياسية والتنموية الهادفة لبناء السلام، وبما يتضمن تقديم العون للسودانيين في تحقيق أهداف وثيقة الإعلان الدستوري الموقع في شهر أغسطس من العام 2019م، وتنفيذ الخطة الوطنية لحماية المدنيين، والمساعدة في الانتقال السياسي والتقدم باتجاه حكم ديمقراطي وتعزيز وحماية حقوق الإنسان واستدامة السلام، ودعم مسارات السلام وتنفيذ اتفاقيات السلام المستقبلية، ودعم فرص المساعدات الاقتصادية والتنموية، وتنسيق المساعدات الإنسانية من خلال ضمان نهج تكاملي لوكالات الأمم المتحدة والتمويل والبرامج المتاحين من خلالها؛ وذلك بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية، وبما يستجيب لجميع أهداف التنمية المستدامة.

ولكن ورغم كل هذه الأهداف والقيم النبيلة التي تصدرت التفويض الممنوح لبعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان فقد أخفقت “يونيتاميس” في الإيفاء بالتزاماتها تجاه السودان وفقاً لنص التفويض طوال فترة وجودها في البلاد، بل ومضت يونيتاميس أبعد من ذلك بتجاهلها مع سبق الإصرار والترصد كل الملاحظات التي أبداها مسؤولو الحكومة حيال الأداء السالب الذي ميز نشاط البعثة منذ تسلم مهامها، هذا فضلاً عن ابتعاد يونيتاميس عن تفويضها الذي كان مأمولاً معه مساعدة السودان في الانتقال الديموقراطي عقب ثورة ديسمبر 2019م.

لقد ابتلع رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك الطعم وتناول السم الذي دسته يونيتامس في الدسم من خلال طرح أهداف ومقاصد نبيلة لم تستطع أن تنفذها على الأرض، ونسي حمدوك أو تناسى تجربة السودان الفاشلة مع بعثات الأمم المتحدة، على شاكلة ما حدث مع تجربة القوات المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي “يوناميد” في دارفور التي ماتزال حاضرة في الأذهان، فقد فشلت يوناميد في تنفيذ مهمتها المتمثلة في حماية المدنيين، وتحقيق الأمن لإيصال المساعدات الإنسانية وتأكيد ومراقبة تنفيذ الاتفاقيات والمساعدة في العملية السياسية الشاملة في دارفور بالإضافة إلى المساهمة في تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون.

وبمثلما فشلت يوناميد في تفويضها الممنوح في دارفور، هاهي يونتاميس تعيد كًرّة الفشل وتزيده كيل بعير بمساهمتها الفاضحة في تعقيد الأوضاع الداخلية للبلاد من خلال الدور السالب الذي لعبه رئيس بعثتها (فولكر بيرتس) في ميدان السياسة السوداني بانحيازه الواضح لجهة سياسية بعينها وهو ما أكدته الحكومة السودانية على لسان رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في خطايه للأمين العام للأمم أنطوني غويتريش الذي أشار فيه إلى أن (فولكر بيرتس) أعطى انطباعاً سالبا عن حيادية الأمم المتحدة واحترامها لسيادة الدول، من خلال سلوكه الذي اتسم بنسج التعقيدات وإثارة الخلافات بين القوى السياسية، مما أدى إلى نشوب حرب منتصف أبريل 2023م.
وبمثلما كان خطاب البرهان مقنعاً وحاسماً لإنهاء حياة (فولكر بيرتس) على مستوى وجوده السياسي في السودان، فإن المرافعة الدبلوماسية التي قدمها مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة السفير ( الحارث إدريس الحارث) ستجد أذناً مصغية داخل المنظمة الدولية ومجلس الأمن الدولي بالاستجابة لطلب السودان القاضي بإنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال “يونيتاميس وتشييعها إلى مثواها الأخير لتلحق برئيسها الفاشل (فولكر بيرتس) الذي أظنه مازال ومنذ يونيو 2023م يلعن اليوم الذي تم فيه تكليفه ليرأس بعثة يونيتاميس إلى السودان، ولترعى بقيدك أيها الألماني (ألمي حار مالعب قعونج).

ولعلها سانحة طيبة لنرفع القبعات امتناناً وتقديراً وعرفاناً، ونشدُّ على أيدي الدبلوماسية السودانية ممثلة في وزارة الخارجية بقيادة الوزير المكلف سعادة السفير على الصادق، والذي نرسل عبره تحية خاصة لطاقم بعثة السودان في نيويورك بقيادة السفير الحارث إدريس، ونائبه سعادة السفير معاوية التوم، فقد بذلوا جميعاً جهوداً متعاظمة لاستعادة موقع السودان في خارطة الدبلوماسية الدولية، بقرارات قوية وحاسمة أثلجت الصدور، وأكدت أن المرحلة المقبلة ستشهد حراكاً دبلوماسياً مهماً وكثيفاً يتوافق مع تطلعات سودان ما بعد الحرب بقوة قراراته وشدة مواقفه على الصعيدين الدولي والإقليمي، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق