مقالات

عندما يفيض سماحة..

عبد الكريم إبراهيم:

السماحة لغة: صفة للسهولة والتيسير (في الحديث: رحم الله رجلا سمحا إذا باع.. الخ)، وترتبط كذلك بالجود والكرم (سمح بكذا أذن وأجاز) ولقب تشريف العلماء (سماحة الشيخ فلان)، وتعني الجميل (فاطمة السمحة.. من الأحاجي المشهورة) وتعني الطيب من الأشياء (أكل سمح) ومن أقوالهم: (المسامح كريم)، (سمح القول في خشم سيدو) الأغاني السودانية احتفت بمفردة السماحة ومنها (يا سمح يا زين، سيد السماحة، مسامحنك، السمحة قالوا مرحلة)..
حلفاية الملوك من المدن التاريخية العريقة التى عرفت قدر السماحة وصار اسما للذكور والإناث فيها (سمحة، سموحة، وسماحة) كسيفونية ونغمة رائعة ولعل أشهرهم الشيخ الفقيه (سماحة) المغربي.
وهو سماحة بن عبد الحليم (عبيد) بن سلطان عبد الرحمن محمد بحر العلوم المغربي أول من أطلق عليه (سماحة) لاتصافه بتلك الشمائل والصفات الحميدة، وخلد اسمه بإقامته وقف اسم (مشرع سماحة) منذ أكثر من أربعمائة عام على النيل، اشترى هذا الشيخ الجليل رحمه الله أرضا مقدارها ثلاثة حبال وأوقفها لمن يرغب في عبور بعض المزارع للوصول لمبتغاه وأغراضه نحو النهر، فقد كان أصحاب المزارع يمنعون الناس والدواب من المرور عبر أراضيهم لما فيها من أفساد للزراعة والأرض، كما ذكر ذلك البروفيسور عون الشريق قاسم رحمه الله في كتابه (حلفاية الملوك التاريخ والبشر). وطبعته الثانية المنقحة (من صور التمازج القومي في السودان) رأى الشيخ (سماحة) حاجة الناس لطريق سهل وميسور خال من الزراعة يعبر عن طريقه للوصول للنهر، فاشترى هذه (الحبال الثلاثة)، وجعلها مشرعا عاما ووقفا لذلك الغرض النبيل، ومعروف أن هذا النهر موسمي يفيض بعد فيضان النيل الرئيس ويمتد في خور طويل وعريض يبدأ من الأزيرقاب شمالي الحلفاية، ويشمل كل السواقي وأراضى الحلفاية الزراعية حتى الجارة الشقيقة مدينة شمبات من الناحية الجنوبية للحلفاية.

(سماحة) أطلق على الكثيرين من أحفاد ومحبي الشيخ الجليل (سماحة) كما شمل بعض المواقع التجارية والثقافية وصالات المناسبات والأندية، ولعل أشهرها (نادي سماحة) الذي تغير من (نادي السهم) إلى (نادي سماحة) تخليدا لذكرى ذلك الفقيه (سماحة)، ولعلها كانت من حسن الطالع حين ذهب مؤسسو النادي لتسجيله رسميا في الاتحاد المختص بـ (السهم) ووجدوا أن ناديا آخر قد سبقهم في تسجيله وعندها لم يترددوا في تغيير اسمه ليحمل الاسم القديم الجديد (نادي سماحة)
وقد كانت أهم إنجازاته إقامة منتديات بصفة دورية في مختلف القضايا والموضوعات التي تهم المنطقة بجانب صعود الفريق من الدرجة الثالثة إلى الثانية مباشرة العام 2021 وكان العام الحالي 2022 عاما للصمود والثبات وتكسير القاعدة الرياضية الشهيرة المعروفة (الصاعد هابط)، حيث لعبوا مباريات حاسمة وبطولية كان آخرها فوزهم الكاسح على فريق الحاج يوسف بخمسة أهداف مقابل هدف كفلت للفريق البقاء ضمن منظومة فرق الدرجة الثانية في منطقة بحري، وقد كان لمشجعي النادي بصفة أخص وجماهير الحلفاية بصفة عامة المنتشية بفوزها التاريخي على فريق أم دوم وصعودها مباشرة لدوري الأولى بولاية الخرطوم الأثر الأكبر في الإنجاز الذي تحقق كيف لا ؟ فقد تقاطرت جماهير نادي الحلفاية الوفية من استاد الخرطوم حتى دار الرياضة في أمدرمان مكان إقامة مباراة سماحة والحاج يوسف، وأدت ما عليها من تشجيع داو بالدفوف والطبول حتى صمد فتية سماحة وحققوا ما أرادوا من إنجاز سيذكره ويسجله التاريخ في كتاب صفحات منه عراض بعنوان (فيض سماحة) دون شك.
إننا إذ نسطر هذه الكلمات نرسل تهانئنا القلبية الصادقة لرئيس النادي معاوية على بشير وطاقمه المعاون المدير الفني للفريق الكوتش محمد عبد الوهاب الملك (حمدتو)، مدير الكرة الكابتن أحمد المانجل ومساعديهم وأقطاب النادي ولاعبيه وجماهيره الوفية.
ولابد لنا من ذكر رموز وأقطاب (نادي السهم) سابقا و(سماحة) حاليا الذين وضعوا بصماتهم وسجلوا أسماءهم بأحرف من نور في سماء وخارطة كرة القدم في الحلفاية والسودان قاطبة داخله وخارجه نذكر منهم كمثال لا الحصر: الطيب عروة، عبد اللطيف أبو الحسن، (إبراهيم، عروة، حمزة الطيب عروة)، السيد الدمرداش، عبدالوهاب محمد عثمان، حسن، إبراهيم وصالح علي ركيزة، قاسم عجيب، بكري الصافي، جعفر مصطفى البلولة، م.عباس أحمد، الحاج علي قرن، فيصل والحاج الداروتي، فتح الرحمن وإبراهيم فضل الله، طلب عبد الفضيل، عثمان المبارك، الحاج قسم السيد، فيصل نصر، عبدالوهاب عباس (كمبلا)، معتصم عبد المجيد (طوس)، متوكل عبد المجيد، طارق إسماعيل وغيرهم كثر، الرحمة والمغفرة والعتق من النار والجنات العلا لمن توفي منهم والصحة والعافية وطول العمر للأحياء.

قبل الختام، فريق المستقبل والثوار في الحلفاية. المعركة والبطولة القادمة لكم (الحلفاية تناديكم تماما كأراضيكم).
ختاما، ونحن إذ نتطرق لهذا الفيض والكرم السماحي نتساءل عن أرض وقف سماحة (الثلاثة حبال) أين ذهبت؟ فلم تعد هي ذاتها وتقلصت بل وانعدمت تماما في الاتجاه الغربي للخور نتيجة لبيع بعض أراضي الحلفاية لمشترين جدد، حيث تداخلت الأراضي في بعضها وأصبح الطريق غير سالك كما كان في الماضي، لابد من وقفة من الدولة والأوقاف وأحفاد الفقيه (سماحة) وأهالي الحلفاية لإعادة هذا الوقف العزيز سيرته الأولى، كما تركه صاحبه حتى لو تم ذلك بمشروع جديد ومواطنو الحلفاية سباقون لأعمال الخير الجليلة في مناطقهم وغيرها من مواقع ومواقف نبيلة مشهود لهم.. فهم (أهل حارة).
هل تسمعوننا؟ نأمل ذلك، والله من وراء القصد ويهدي السبيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق