صحة وبيئةمقالات

عطبرة.. مجمع التأمين الصحي.. ينقطع محل رقيِّق

بقلم/ عصام الحكيم:

من باب العدل والإنصاف أن نباهي بمجمع عطبرة الطبي بوصفه إشراقة في مجال الطب العلاجي، وأحد النماذج الاستثمارية الناجحة التي انجزتها الشراكات الحكومية الذكية بين الصندوق القومي للتأمين الصحي وشركة زادنا العالمية.

ولأنها أيضاً تجربة متميزة كانت تقتضي التعميم ببقية مدن الولاية وفقاً لما تعهد به الطرفان في وقت سابق كواحدة من الخطوات الجادة في اتجاه توطين العلاج بالداخل في البعدين الولائي والقومي فضلاً عن تقليل نسبة الإحالات لأدنى مستوى من المشافي الحكومية للخاصة ومابين المشافي الولائية لمشافي الخرطوم ومن ثم إلى خارج السودان.

ومع ذلك يجب الأخذ في الاعتبار أن مشروع مجمع عطبرة الطبي ينبغي ألا يكسر قيود الفكرة الجوهرية المرتبطة بالجدوى الأساسية لقيامه من واقع أنه مركز طبي علاجي خدمي حكومي وليس منشأة استثمارية طبية علاجية على غرار ما يحدث الآن بعدما تعددت وتزاحمت أصفار قيمة فواتيره العلاجية للمكفولين تحت مظلته بالخدمة بشكل يماهي ويقارب إلى حد كبير تكاليف مراكز الخدمة الطبية في القطاع الخاص، وتحديدا في العمليات الجراحية الكبيرة التي عربدت) أرقامها في فلك مئات الآلاف من الجنيهات وكذلك التنويم بالعناية المكثفة التي وصل فيها اليوم الواحد إلى خمسين الف جنيه.

وهذا يقودنا لتساؤل مهم، هل صندوق التأمين الصحي مقدم للخدمة أم مشتر لها؟ ومن الذي يقدم الخدمة في المجمع ومن الذي يسعر قيمة الخدمة ويحدد تكاليفها وعلى أي أساس ومعيار ولائحة وبموجب اي قانون ؟
وهل كوادر الهيكل الطبي والعلاجي والاداري والمالي داخل المجمع تابعة للصندوق ام وزارة الصحة ؟ وماهو التكييف القانوني الذي يشكل طابع العلاقة الادارية التي اتاحت لهم مزاولة عملهم داخل المجمع ؟
ولماذا المفارقة في أسعار الخدمة. العلاجية بين المجمع والمرافق العلاجية الحكومية النظيرة طالما أن الجهة التي تشتري الخدمة وتكفلها بالبطاقة العلاجية للمستفيدين المستحقين الخاضعين هي الصندوق
نفسه ؟

صحيح أن المجمع نجح في إحداث اختراقات مهمة حقق بها نقلة نوعية وطفرة ملموسة في محور الخدمات التشخيصية العلاجية الطبية المتطورة في مجالات مثل قسطرة القلب وغيرها لكنها توقفت وانقطعت بعدما اقتصرت اختراقات المجمع على بعض المبادرات المتقطعة باستضافة بعض الاختصاصيين والاستشارين من حين لآخر.

ولعل مايثير القلق في حقيقة الأمر، أن نجاح مشروع مجمع عطبرة الطبي نسبيا في تحقيق بعض أهدافه واستقرار خدماته الطبية والعلاجية وظهور نماذج استثمارية منافسة له في القطاع الخاص على نحو ماهو ماثل الآن، أصاب وزارة الصحة بالاسترخاء والشلل النسبي وجعل جهودها تتبعثر وتتعثر في اتجاه تطوير وترقية واستنهاض المستشفيات المرجعية الكبيرة التي أصابتها متلازمة التردي الخدمي والتدهور والصراع الاداري بالقدر الذي جعل بيئة العمل فيها منفرة وطاردة للكوادر الطبية والأطر العلاجية قبل المرضى ومرافقيهم.


آخر الصعقات المعنوية الصادمة التي اصابتنا بالذهول على سبيل المثال ماحدث قبل ثلاثة أيام حينما فشلت مستشفى الدامر في علاج حالة خضعت قبل عدة اشهر لعملية قلب مفتوح بمستشفى الخرطوم وتقرر دخولها لمجمع العمليات لإجراء عملية استكشافية علاجية لقرقرينة في المصران لكن عدم وجود اختصاصي تخدير بمستشفى الدامر اقتضى اما التحويل لمجمع التأمينات الطبي بعطبرة أو الخرطوم،

ولكن نظرا لتدهور وتحرج الحالة الصحية للمريض فضلنا خيار المجمع الطبي بعد أن زودنا قسم الجراحة بالدامر بتقرير طبي للحالة مصحوبا بنتجة فحص معملية أولية مرجحة إصابة المريض بفيروس الكبد الوبائي ( B).

وصلنا المجمع الطبي بعطبرة وشرعنا في الاجراءات وتم التنويم وتسلمنا رسوم تكاليف العملية الكلية بقيمة تقارب 350 الف ج ولكن فوجئنا باشتراط حتمي مسبق لاجرائها بعد التأكد من فحص فيروس الكبد الوبائي عبر ( اللاايزا ) وبعد الاستوثاق من نتيجة الفحص التي كانت موجبة، اعتذر المجمع عن استقبال الحالة واقترح التحويل للخرطوم رغم استعداد الجراح ( د عبد العزيز الخير ) مجزيا مشكورا لإجراء العملية.


بعد عدة اتصالات بشندي والخرطوم سارع مستشفى شندي التعليمي بإبداء استعداده لاستقبال الحالة على الفور دون أي شروط وبالفعل تم تنويم المريض وإجراء منظار استكشافي تغير بموجبه قرار التشخيص من إصابة المريض من قرقرينة في المصران إلى زائدة دودية منفجرة، بعدها أُخضع المريض للعملية الجراحية وخرج منها بسلام وهو الآن يتماثل للشفاء تدريجيا بحمد الله..

ويبقي السؤال المحوري المهم كما ورد نقلا على لسان اختصاصيين بشندي وضمنا في استنكار الجراح الذي اجري العملية في مستشفي شندي التعليمي :

هل اصابة المريض بمرض فيروسي مستعصي ( كبد وبائي أو ايدز ) يحتم عدم استقبال حالته والتعامل معه تحت أي ظرف حتى لو كان ذلك سيؤدي لوفاته ؟
بمعني آخر:
بافتراض أن الحالة المصابة بالفيروس تعرض لحادث حرج للغاية أو تحت ظرف ولادة قيصرية طارىة مسببة لموت الأم والجنين وبالتالي يستحيل في ظلها التحويل!، فهل يعني ذلك ان كل ما على المريض ومرافقوه هو الانتظار حتى ينقضي الأجل وينتهي لمصيره المحتوم بالحتف ؟؟

إن لم يكن هذا هو الموت الرحيم بعينه فماذا يمكن أن يكون ؟
وإن لم يفهم هذا المسلك سوى انه إمعاناً مع سبق الإصرار في ترسيخ واندياح الوصمة الاجتماعية للمرض عبر هذا التمييز السلبي الصحي والطبي والعلاجي والنفسي ففي أي سياق يمكن فهمه ؟؟!!

هل يعقل افتقار مجمع التأمينات الطبي بعطبرة بقاعدة خدماته الطبية والعلاجية الواسعة وبكل تاريخ سنواته الواعدة وتجاربه وقدراته المتطورة والمواكبة في العلاج هل يعقل افتقاره لأية احترازات أو احتياطات وقائية تمكنه من استقبال مثل هذه الحالات والقدرة على التكيف معها – على غرار ماحدث في مستشفي شندي التعليمي-؟
مع العلم أن الولاية موبوءة بمعدلات عالية للإصابة بفيروس الكبد الوبائي وفقاً لتقارير طبية صادرة من جمعية أمراض الكبد بولاية نهر النيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق