وفاء جميل:
يقول الله في مُحكم تنزيله : {لَّقَدْ رَضِىَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَٰبَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}.
في الآية الكريمة عن النبي ﷺ إبان بيعة الرضوان في الحديبية ، فعلم الله ما في قلوب هؤلاء مِنّ الإيمان والصدق والوفاء ، فأنزل الله الطمأنينة عليهم وثبَّت قلوبهم ، وعوَّضهم عمَّا فاتهم بِصُلح “الحديبية” فتحاً قريباً، وهو فتح “خيبر”.
وقبل الغوص فيما دعاني للتذكير بالآية الكريمة أطرحُ إستفهاماً، ما الذي يُوجّه البعض للتحدث عن الآخرين بشئٍ يقلل مِنّ شأنّهم والتربص لهم بالنفاق وحصر السالب دونما المساس بالموجب في شخصياتهم، بلّ ما الداعي للتلذّذ بأعراض الناس ؟؟ أهيّ ضريبة العمل العام؟ أم أنّها خيالاً كاذباً يهيمُ عليهم بأنّ المكافأة ستكون السُلطة وإعتلاء المناصب؟.
أما عن الآية الكريمة، الشئ بالشئ يُذكر والعِبرة في الحِكمة والأخذ بالأسباب، فمِّن المُثير للإحترام أنّ أحد القادة السياسيين يتخذ مِنّ قائد الإنسانية ﷺ مثالاً يحتذي بِه ، فنجدهُ قائداً مثالياً ومِضيافاً في بيتهِ كعادةِ أهل البوادي الكُرماء، يتسامر مع أقرانهِ والزوّار بكل وقار ، نراهُ تحت تلك الشجرة (المُثمرة) التي تتوسط مقر إقامته يؤانِسُ رجالات المجتمع بِكل درجات التآلف والتبجيل.
ولأنّه مِنّ غير العادة أنّ يتجالس السياسيون في غير قاعات الإجتماعات المغلقة، هنا نتساءل ما السِّر تحت هذه الشجرة؟.
تحت هذه الشجرة الوارفة بالظِل الوريفة بالكُل، عُقدت إجتماعات الحياة وتفاصيلها، فكانت بِمثابةِ قاعة صُلح، سلام، تبادل أفكار، دعوات عفو وإيثار وجلسات سمر تحت ضوء الشمس والقمر، أحاديث أثمرت إعفاءات مِنّ معتقلات سياسية وتصالحات قبلية واجتماعية، فكان لها شأن عظيم لعِدة إصلاحات حقيقية جادت بها مُكرمات هذا الرجل الهادئ الطِباع المُلهم الناس الأمل والتفاؤل رغم تعقيدات السياسة وتقلبات الأنفس الوضيعة، إلاّ أنّ هذا (القائد والمُحاضر الجامعي الدكتور الهادي إدريس) يثبت ذاته الإنسانية مجانباً أقاويل الفساق والنفاق، فيتضح الجانب الآخر في شخصيتهِ التي لا يعرف حقيقتهُا الكثيرون في أنّه أكاديمي إقتصادي سياسي ومُحاضر حصيف ومُحنك، نجدهُ في الموعد كلما نشبت نيران الفِتنة والإنقسام والكراهية والإنتقام داخل فرقاء الوطن، يعمل بِصمتٍ تام بعيداً عن الإعلام، تراهُ أيها القارئ حاضراً ومُحاضراً تحت شجرتهِ التي طابت بجلساتِ الصفح و استطابت بِجبرِ الخواطر ، فهو بِحِكمتهِ يُجادل العقول و بِحِنكتهِ يُخاطب القلوب ويُساند المغلوب ويُرجع المسلوب ويُدرك الطالب ويُلبي المطلوب.
ولأنّ بالوطن يشُعر الوطنيون الخُلص و يدركوا واجباتهم تجاهُ، كان لهذا المناضل حديث آخر ، حديث لم تستوعبهُ قاعات الإجتماعات المكيفة ولا الحِراسات المشددة، حديث لنّ يُعرف قيمتهُ إلاّ تحت الشجرة حيث (البيِّعة الرابحة والنيّة الصالحة) ، لذا يظل النضال متفرّعا ومتنوّعا كالأشجار الظليلة الطيبة التي لا تنمو إلاّ في تربة التواضع والتضحيات وتسقى بالوقت والعرق والدم ، وهنا يُصبح (الوطن المُستقر) ثمرة تلك الأشجارٍ ذات فروع وأوراق وجذوع وجذور، غرستها الأخلاق الفاضلة وأسقتها مِنّ بوادر الصُلح المتواصل الجامع للأواصر وغذتّها مجهودات لأبطال خالدين في ذاكرة الوجدان السياسي، فاعلون وعازمون على تحقيق حُلم الوطن بالصبر و الإيثار ، فالشجرة دليل عطاء ونماء ، وليس أخذ وفناء، حيث لا عطاء إلاّ مِنّ الأوفياء وكما يُقال: الشجرة لا تحجب ظِلها حتى عن الحطاب.
فهنئياً لكل مِنّ عزم على السّلام ورفع راية الإسلام وأدرك الأمة وكشف الغمّة وعمل على بناء مجد الشعوب وناصر المظلوم، فهو بذلك في زمرة العِباد الذين ظفروا بالسمع والطاعة، وما كان هذا فقط حديثاً يُفترى ولكن هو تصديقاً للذي بين يديهِم وعِبرة لأولي البصر والبصيرة.
للحديث بقيّة