مقالات
معالم من تاريخ السودان السياسي (1821-2021) (8)
د. عبد الكريم الهاشمي:
1
بعد إكتمال حكومة سرالختم الخليفة فترتها الإنتقالية شكلت لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات في 17 نوفمبر 1964م إنفاذا لما جاء في الميثاق الوطني الصادر في 30 أكتوبر 1964م والذي نص في مادته الثانية على إجراء الانتخابات العامة للجمعية التأسيسية في موعد أقصاه شهر مارس من العام 1965. شهد قانون إنتخابات الجمعية التأسيسية 1965م او ما يعرف بالديمقرطية الثانية شهد تطورا لافتا حيث أعطى النساء حق التصويت للمرة الأولى في تاريخ البلاد كما أعطى الخريجين دوائر خاصة مما يعد تطورا كبيرا بالنسبة لانتخابات 1958م التي لم تشارك فيها المراة ولم تخصص دوائر للخريجين. بعد إعلان نتائج الانتخابات في شهر يونيو من العام 1965م تشكلت الوزارة من الإئتلاف الذي تم بين الحزب الوطني الاتحادي وحزب الأمة (جناح السيد الهادي) وذلك لعدم فوز أي منهما بأغلبية مكنيكية تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا فتم اقتسام الحقائب الوزارية بينهما بالتساوي ومنحا وزارتين لجنوب السودان. تولى إسماعيل الأزهري رئاسة مجلس السيادة ومحمد أحمد المحجوب رئاسة الوزراء وذهبت بقية الاحزاب الى منصة المعارضة التي قادها حزب الشعب الديمقراطي (الختمية).
2
إن حكومة محمد أحمد المحجوب ومنذ توليها السلطة واجهت كثير من المصاعب العواصف حيث برزت أزمة بين الحزبين المؤتلفين كادت أن تعصف بالإئتلاف وذلك عندما تقدم وزراء الحزب الوطني الاتحادي باستقالاتهم التي كادت أن تعصف بالحكومة لو لا أن تم تداركها بالتوصل إلى تسوية بين الحزبين الكبيرين أنقذت الإئتلاف من الإنهيار. كذلك نشب خلاف بين رئيس الوزراء والهيئة البرلمانية لحزب الأمة التي كانت ترى أن الحكومة تتبع سياسة أشبه بالارتجال كما أنها تطلق وعودا كاذبة ولتقيم أداء الحكومة التي يترأسها محمد أحمد المحجوب شكلت لجنة من الهيئة البرلمانية لحزب الأمة لبحث اداء الحكومة ولكن هذه اللجنة لم تجد القبول عند رئيس الوزراء الذي كان يرى انه غير مسؤول امام الهيئة البرلمانية إنما هو مسؤول فقط امام “الإمام الهادي المهدي” راعي حزب الأمة وطائفة الانصار. رفض محمد احمد المحجوب التجاوب مع لجنة الهيئة البرلمانية أدى لتدخل رئيس حزب الأمة “الصادق المهدي” مؤيدا ومناصرا للهيئة البرلمانية في ممارسة حقها في محاسبة رئيس الوزراء وحق الحزب في متابعة اداء حكومته فنشب خلافا عرما ولد استقطابا حادا توج بإنشقاق حزب الأمة الى جناحين “جناح الإمام الهادي” و”جناح السيد الصادق” وذلك في العام 1966. تصاعدت المواجهة بين رئيس الوزراء والهيئة البرلمانية لحزب الأمة فاتخذ المكتب السياسي والهيئة البرلمانية للحزب قرارات بأغلبية ساحقة بإبعاد السيد محمد أحمد محجوب عن رئاسة الوزراء وبناء على ذلك طرح صوت لسحب الثقة من حكومته داخل الجمعية التأسيسية بتاريخ 25 يوليو 1966م أيده 126 نائبا وعارضه 30 نائبا. شكلت هذه النتيجة خيبة كبيرة لرئيس الوزراء محمد أحمد المحجوب الأمر الذي دفعه لتقديم إستقالته لمجلس السيادة “وفي نفسه شئ من حته” بل عبر عن ذلك صراحة بقوله (لم يطرح إقتراح سحب الثقة بسبب عجز الحكومة عن القيام بأي عمل وأنها لم تقدم عملا بل قدم لأسباب شخصية لا تتعلق بشخصية رئيس الوزراء بل بالذين يريدون أن يكونوا كل شيء دون إعتبار لما يدور حولهم) في إشارة واضحة للسيد الصادق الذي يريد أن يكون كل شئ. لم يدم عمر حكومة محمد احمد المحجوب طويلا حيث أكملت “عاما” واحدا فقط من يونيو 1965م إلى تاريخ سحب الثقة منها في 25 يوليو 1966م وذلك بسبب الخلافات التي واجهتها.
3
فتحت إستقالة رئيس الوزراء محمد احمد المحجوب الأبواب واسعة امام الصادق المهدي لتولي رئاسة الوزراء. الجدير بالذكر أن الصادق المهدي حينما جرت الإنتخابات التي اعقبت ثورة إكتوبر في ابريل 1965م كان دون السن القانونية لعضوية البرلمان والمحددة ب (21 سنة) وحينما أتم العمر القانوني أخليت له دائرة من دوائر الأنصار ليتمكن من دخول البرلمان وحين ما اصبح عضوا في البرلمان طلب من محمد احمد المحجوب ان يستقيل ويفسح له المجال لتولي منصب رئيس الوزراء. يقول محمد احمد المحجوب في كتابه “الديمقراطية في الميزان” برزت خلافاتي مع الصادق المهدي في الاشهر الأولى لعام 1966م فذات مساء جاء بعض افراد عائلة المهدي الى منزلي طالبين مني الاستقالة من منصب رئيس الوزراء حتى يصبح الصادق المهدي الذي بلغ ثلاثين عاماً حينها رئيسا للوزراء وكان جوابي هو أن هذا الطلب غريب فالصادق لا يزال فتيا والمستقبل أمامه وفي وسعه ان ينتظر وليس من مصلحته او مصلحة الحزب والوطن ان يصبح رئيسا للوزراء الآن بيد انهم اصروا فتصلبت وساندني الحزب ثم طلبت مقابلة السيد الصادق من اجل اصلاح الضرر واجتمعنا وابلغته انني مستعد للاستقالة ومنحه الفرصة ليصبح رئيسا للحكومة لو لم يكن السودان في خطر وذكرّته بأنه سيتعامل مع السياسي الحاذق رئيس مجلس السيادة الزعيم اسماعيل الازهري الذي يستطيع ان يلوي ذراع اي شخص وليت الصادق رد علي قائلا انني مخطئ بل قال “انني اعرف ذلك ولكنني اتخذت موقفاً ولن اتزحزح عنه” وكان تعليقي هو «إنني مقتنع الآن اكثر من اي وقت مضى بأنك لا تصلح لرئاسة الوزارة”.
4
بعد ان إنفض سامر الإئتلاف الذي جاء بمحمد احمد المحجوب رئسا للوزراء نشأ إئتلافا جديدا بين الوطني الإتحادي وحزب الأمة “جناح الصادق” حيث شكلا معاً حكومة ائتلافية جديدة اقتصرت المشاركة فيها على الحزبين فقط فتم انتخاب إسماعيل الازهري رئيسا لمجلس السيادة والصادق المهدي رئيساً للوزراء. لم يستسلم محمد أحمد المحجوب ومن خلفه “الإمام الهادي” لما تعرضت إليه حكومتهما التي سحبت منها الثقة فعملا على إسقاط حكومة الصادق المهدي من داخل البرلمان بعد أن حدثت تحولات مفاجئة وذلك بأعلان الحزب الوطني الاتحادي فض الائتلاف بينه وبين حزب الأمة “جناح الصادق” عبر تقديم وزراء الحزب الوطني استقالاتهم مما دفع الصادق المهدي رئيس الوزراء للبحث عن سند يلجأ إليه للخروج من هذا المأزق والمحافظة على تماسك حكومته من الإنهيار فلجأ للجمعية التأسيسية ففي 15 مايو 1967م ناشد السيد الصادق المهدي من الجمعية التأسيسية تأكيد ثقتها في حكومته إلا أن النتيجة كانت محبطة فلم يقف بجانبه إلا 86 نائبا وعارض حكومته 102 نائبا فتقدم في نفس اليوم باستقالته لمجلس السيادة الذي قبلها وطلب من الجمعية التأسيسية أن تختار من بين أعضائها رئيسا للوزراء وبهذا فاختارت محمد احمد المحجوب وبهذا يكون السيد الصادق قد شرب من ذات الكأس الذي سقا منه محمد أحمد المحجوب. استمر الصادق المهدي رئيساً للوزراء في الفترة من يوليو 1966 وحتى تاريخ سحب الثقة من حكومته في مايو 1967م (عشرة أشهر). شكل محمد احمد المحجوب وزارته الجديدة بعد الإطاحة بحكومة الصادق المهدي بتاريخ 18 مايو من العام 1967م حيث ضمت في صفوفها أربعة أعضاء من حزب الأمة “جناح الإمام الهادي” وأربعة أعضاء من الحزب الوطني الاتحادي “الزعيم الأزهري” وأربعة أعضاء من حزب الشعب الديمقراطي “الختمية” وعضوين من جنوب السودان. عاد الصادق المهدي ومجموعته للمعارضة العنيفة داخل البرلمان وخارجه عبر تحالفات وتكتلات حزبية لإعاقة حكومة المحجوب وللعودة مرة أخرى لمنصبه الذي أزيح منه لكنه لم يستطع هذه المرة من العودة.
5
تجلت مظاهره التحالفات الحزبية في العلاقة بين حزب الأمة بجناحيه والحزب الوطني الاتحادي حيث ظل الحزب الوطني الاتحادي الذي يقوده الزعيم الازهري يمثل قطب الرحى الذي تدور حوله وتنطلق منه التحالفات حيث تحالف مع حزب الأمة “جناح الصادق المهدي” في عام 1966 لإسقاط رئيس الوزراء محمد أحمد المحجوب ثم عاد وتحالف مع محمد أحمد المحجوب الذي يقود حزب الأمة “جناح الإمام الهادي” لإسقاط الصادق المهدي في عام 1967 وقد كان وهو ذات الحزب الذي طرح فكرة حل البرلمان في فبراير 1968 ليقطع الطريق أمام الصادق المهدي حليف الأمس من العودة الى رئاسة الوزراء مجددا. إتفق الحزب الوطني الاتحادي بقيادة الزعيم الأزهري وحزب الأمة (جناح الهادي) بقيادة محمد أحمد المحجوب على حل الجمعية التأسيسية في مخالفة واضحة للدستور الذي يمنع حلها ما لم تكمل عامين حيث نص على ذلك ”استمرار الجمعية التأسيسية لمدة لا تتجاوز سنتين من بداية أول دورة انعقاد لها ولا يجوز حلها” وقد أقدم الزعيم الأزهري ومحمد احمد المحجوب على ذلك لقطع الطريق امام الصادق المهدي من العودة الى رئاسة الوزراء ثانية بعد ان نجح في تكوين تحالف جديد داخل الجمعية التأسيسية بين حزبه “الأمةجناح الصادق” وجزء من كتلة النواب الجنوبيين حيث يمكن هذا التحالف الجديد الصادق المهدي من حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء محمد أحمد المحجوب ولذلك عاجله الزعيم الأزهري بحل الجمعية التأسيسية. رفع الصادق المهدي والنواب المناصرون له دعوى قضائية ضد مجلس السيادة ومجلس الوزراء متهمين اياهما بتجاوز أحكام الدستور بحلهما للبرلمان لم تقبل المحكمة الدعوى وذلك لتمتع مجلس السيادة الذي يعتبر طرفا في الدعوى المرفوعة بحصانة تحول دون مراجعة القضاء لقراراته. إستأنف الصادق المهدي هذا الحكم وتم قبول إستئنافه من المحكمة العليا ليصبح مجلس السيادة طرفا في الدعوى. أدلى رئيس مجلس السيادة “الزعيم الأزهري” ببعض التصريحات ادت إلى نشوب صراع بين القضاء ورأس الدولة.
6
بعد حل الجمعية التأسيسية أجريت الانتخابات في مارس 1968 وأعلنت نتيجتها في آخر ابريل 1968 حيث أجريت الانتخابات في 218 دائرة احرز الحزب الاتحادي الديمقراطي 101 كأعلى أصوات ثم حزب الأمة بجناحيه 75 (45 مقعد جناح الصادق) و (30 مقعد جناح الهادي). تشكلت حكومة ائتلافية من الحزب الاتحادي الديمقراطي مع حزب الأمة جناح الإمام الهادي حيث حصل الأخير على مطلبه وهو أربع حقائب وزارية فضلاً عن منصب رئيس الوزراء الذي عهد به إلى محمد أحمد محجوب مع تقديم تسع حقائب وزارية إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي وبقى الأزهري رئيساً لمجلس السيادة. الائتلاف الجديد لم يكن أكثر عافية مما قبله.
استمرت حكومة الازهري ومحمد احمد المجوب في الفترة ما بين مايو 1967– مايو 1969م (عام).
في هذه الانتخابات خسر الصادق المهدي مقعده في البرلمان حيث أسقطه المرشح المدعوم من قبل الإمام الهادي في الجزيرة ابا (محمد داؤود الخليفة) وسقط كثير من مرشحي حزبه ولم يبق أمامه سوي العودة الي أحضان “الإمام الهادي” وقد كان لجأ الصادق المهدي لفكرة إندماج جناحي حزب الأمة حيث صدر بيان توحيد حزب الأمة في 13 ابريل 1969 وأعلن الصادق المهدي في ذلك البيان بوصفه رئيسا “لحزب الأمة المتحد” وإتفقا فيه على ان يعمل بموجبه الإمام الهادي للحصول على الرئاسة بينما يعمل الصادق للحصول على رئاسة الوزراء في أي انتخابات تجرى في المستقبل وشكل هذا الاتفاق صفعة قوية لرئيس الوزراء محمد احمد المحجوب الذي نذر حياته لخدمة حزب الأمة فتقدم بإستقالته لكن تدخل الإمام الهادي والسيد محمد عثمان وإسماعيل الأزهري لإقناعه بالبقاء إلى حين. تمت معالجة سقوط الصادق في الإنتخابات بإستقالة أحد نواب حزبه من البرلمان لتخلو دائرته ومن ثم يعاد فيها ترشيح السيد الصادق ليتمكن من دخول الجمعية التأسيسية. شهدت الفترة التي سبقت إجراء الانتخابات بعض التحولات في الخارطة السياسية حيث اندمج الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي في حزب واحد هو “الحزب الاتحادي الديمقراطي” وكان ذلك في 12 ديسمبر 1967م بينما إستمر إنقسام حزب الأمة الذي حدث في العام 1966م قائما كما خرج من جماعة الإخوان المسلمين تنظيم جديد بزعامة حسن الترابي تحت اسم “جبهة الميثاق الإسلامي”.
7
من الاحداث الكبيرة التي اعتبرت إنتكاسة في مسيرة إرساء قواعد الديمقراطية والتي شهدتها فترة الديمقراطية الثانية إبان حكم الصادقة المهدي طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان بسبب حديث نسب لطالب إدعى أنه ينتمي للحزب الشيوعي حيث تفوه في ندوة أقيمت في معهد المعلمين العالي “كلية التربية ج الخرطوم” في نوفمبر من العام 1965م بحديث فيه إساءة لبيت النبوة. نظم الاخوان المسلمون والاحزاب الأخرى على إثر هذا الحديث مظاهرات منددة بالشيوعية ومطالبة بحل الحزب الشيوعي. نفى الحزب الشيوعي إنتماء الطالب إليه بل تبرأ من حديثه إلا ان ذلك لم يغير شئ في الأوضاع الملتهبة ولم يؤثر في تهدئة المشاعر المتحمسة ونتيجة للحراك الذي إنتظم الشارع والتعبئة الحادة ضد الحزب الشيوعي أجرت الجمعية التأسيسية تعديل على المادة الخامسة من الدستور حيث قدم مشروع التعديل للجمعية التأسيسية بتاريخ 22 نوفمبر 1965م
حيث تضمن التعديل شرطا بعدم الجواز لأي شخص أن يروج أو يسعى لترويج الشيوعية سواء كان ذلك محلية أو دولية أو يروج أو يسعى لترويج الإلحاد أو عدم الإعتقاد في الأديان السماوية أو يعمل أو يسعى للعمل عن طريق استعمال القوة أو الإرهاب أو بأي وسيلة غير مشروعة لقلب نظام الحكم على ان تعتبر كل منظمة تنطوي أهدافها أو وسائلها على مخالفة الشرط غير شرعية وللجمعية التأسيسية أن تصدر أي تشريع تراه لازما لتنفيذ أحكام ذلك الشرط وفي جلسة الجمعية التأسيسية بتاريخ 8 ديسمبر 1965م أجيز مشروع قانون التعديل بالأغلبية اعقب ذلك جلسة الجمعية التأسيسية بتاريخ 16 ديسمبر التي قدم فيها الدكتور حسن الترابي اقتراحا بأنه قد تقرر بحكم الدستور والقانون سقوط العضوية من السادة اعضاء الحزب الشيوعي في البرلمان وقد كان تم إتخاذ قرار الطرد ومن ثم منع أعضاء الحزب من دخول الجمعية التأسيسية وأغلقت الحكومة مقار الحزب وأوقفت جريدة الميدان. رفع النواب الشيوعيون المبعدون قضية دستورية لدى المحكمة العليا ضد تعديل الدستور وكل ما ترتب عليه من آثار فقضت المحكمة بعدم دستورية ذلك التعديل غير أن السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء آنذاك أعلن إن الحكومة غير ملزمة بأن تأخذ بالحكم القضائي الخاص بالقضية الدستورية واعتبره حكما تقريريا الامر الذي فسره كثيرون بأنه تحقير للقضاء وانتهاك لاستقلاليته مما أدى لخلق أزمة حادة بين الحكومة والقضاء أدت لاستقالة مولانا بابكر عوض الله رئيس القضاء وقتئذ. كشفت حادثة طرد اعضاء الحزب الشيوعي وحل الجمعية التأسيسية عن عدم احترام قواعد وأحكام التداول الديمقراطي المتوافق عليه كما كشف الصراع بين القضاء والاجهزة التشريعية والتنفيذية إنتهاك سيادة حكم القانون وخرق الدستور هذه الصراعات والتجاوزات زعزعت استقرار الحكم وشوهت الممارسة الديمقراطية وعطلت عملية إرساء قواعد دولة القانون.
8
عقد في فترة الديمقراطية الثانية مؤتمر قمة اللاءات الثلاثة أو قمة الخرطوم وهو مؤتمر القمة الرابع لجامعة الدولة العربية حيث عقدت القمة في العاصمة السودانية الخرطوم في 29 أغسطس 1967 على خلفية هزيمة يونيو 1967
أو ما عرف بالنكسة التي احتلت فيها القوات الإسرائيلية الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء. عرفت القمة باسم قمة اللاءات الثلاثة لإصرارها على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاثة هي “لا صلح” و”لا اعتراف” و”لا تفاوض” مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه. خلقت القمة أجواء “مصالحة عربية جدية” تجلت في الصلح بين أكبر زعيمين عربيين حينها هما الراحلان الرئيس المصري جمال عبد الناصر والملك السعودي الملك فيصل. تمر الأيام والسنون وتقول الخرطوم نعم للسلام مع إسرائيل نعم للاعتراف بإسرائيل ونعم للتطبيع مع إسرائيل ففي اكتوبر 2020م أي بعد 53 سنة فإن الخرطوم عاصمة اللاءات الثلاث كانت ثالث دولة تطبع مع إسرائيل.
9
في 23 مايو 1969 أصدرت الأحزاب الحاكمة بيانا أكدت من خلاله التوصل لاتفاق علي أن يكون الدستور إسلاميا والجمهورية رئاسية وأن الدستور سوف يكون جاهزا في غضون ستة أشهر علي أن تجرى انتخابات الرئاسة في مطلع عام 1970.
اتفق الحزبان الكبيران وحلفاؤهما على عرض اسلامية الدستور أو علمانيته في استفتاء شعبي. و في خضم التنازع بين أنصار الدستور الاسلامي و العلماني وفي ظل هذه الظروف المضطربة وقع انقلاب 25 مايو 1969 حيث قاد العقيد جعفر النميري انقلاباً عسكرياً دخلت البلاد على إثره عصراً جديدا من الشمولية حددت فيه اقامته رئيس الوزراء محمد أحمد المحجوب في منزله منع معه من تشييع جثمان صديقه وغريمه السياسي الرئيس إسماعيل الأزهري الذي توفى في سجون النظام المايوي.
Krimhashimi5@gmail.com
0912677147