بقلم/ عبدالله رزق أبوسيمازة:
بعد عام من الانفراد بالسلطة، لم يتعود الفريق أول عبدالفتاح البرهانربعد على مخاطبة السودانيين كافة باعتباره حاكم عام السودان، كرئيس لهم عسكريين ومدنيين، بحكم الأمر الواقع الذي فرضه بالقوة، إذ لم يستطع مغادرة عصبيته المهنية الضيقة إلى العصبية الأوسع إلى القومية النبيلة.
لذلك ظل خطابه موجها للجيش وحده، مجرد تواصل عسكري-عسكري،ولم يكن خطابه في حطاب بشرق النيل غير خطاب داخلي ومخصوص ويحمل الخطاب نفس جينات أحاديثه التي مهدت لانقلاب 25 أكتوبر وما بعده إذ لم يخل من تعبئة للجيش ضد المدنيين، بل انه مضى للأبعد للايحاء بأن مؤامرة وشيكة تهدد بتفكيك الجيش لدرجة أنه جاء للقاعدة العسكرية في حطاب (لابساً سلاحه معمراً)، وهو إيعاز للعساكر لتعمير أسلحتهم والاستعداد لمعركة وشيكة. لكن مع من؟ مع نتنياهو العائد للحكم؟
الف لا، وإنما مع المدنيين العزل إلا من حب الوطن.
البرهان الذي صالح نتنياهو، واستقبل رئيس مخابرات الكيان الصهيوني في قصره بالخرطوم، وقام أعوانه بقيادته لزيارة بعض المواقع التي قصفها الطيران الصهيوني بالعاصمة، عمر سلاحه تحسبا لمعركة وشيكة مع الشعب السوداني.
لم يخل الخطاب أيضاً من الإشارات غير المطمئنة بشأن انسحاب الجيش من المشهد السياسي حسب وعده، بما تضمنه من نزوع مبطن لممارسة الوصاية على الشعب وخياراته.
لعل أهم ملمح للخطاب الجدير بأن يكون خطاب انقلاب ثان نسخة منقحة من تصحيح المسار تصحيح التصحيح، هو خلوه من أي إشارة للمشكلات الملحة التي يعاني منها الشعب السوداني، الذي تم استنفاره لسماع الخطاب، والذي ينتظر منذ حين من الدهر قرارات لا وعود بمعالجة تلك المشكلات وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية والتدهور الامني، وهو مما يجدر بالحاكم العام.
إن عدم توافق المدنيين المزعوم على تكوين حكومة وفاق وطني بمواصفات البرهان لا يعفيه من مسؤولية الفشل خلال عام كامل في إيجاد حلول جادة لمعاناة المواطنين ولمشكلات البلاد بما فيها غياب الحكومة، والذي يتحمل البرهان المسؤولية عنه.
تلك المشكلات و القضايا هي التي كان ينبغي أن تكون محور حديثه في حطاب وهو يخاطب المواطنين في نفس الوقت عبر العسكريين.
من نافلة القول، إن الخطاب لم يتطرق إلى أي من الأحداث في المحيطين الإقليمي والدولي، ذات مغزى بالنسبة للسودان، مثل اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تغراي، ودور السودان في قمة الجزائر العربية، والتأثيرات المحتملة لتغير المناخ على السودان وعلى سبل كسب العيش فيه على عتبة اجتماع شرم الشيخ في هذا الشأن وغيرها.
في إطار ردود الأفعال على الخطاب كان لافتا اجتماعهارفي فيسبوك على الاقل عند التشكيك في مصداقيته لاسيما إعلانه القطيعة مع المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، في وقت اكتملت فيه إعادة تمكين كوادرها وقياداتها في أجهزة الدولة وإعادة اموالهم وممتلكاتهم التي استعادتها منهم لجنة التفكيك، وإطلاق سراح الموقوفين من أعضائها في قضايا جنائية، وتم السماح لاؤلئك الإسلاميين والإنقاذيين بالنشاط والحركة، كما ظهر في موكبهم الذي عرف بموكب الكرامة، برعاية السلطة وحمايتها والذي تم بإيعاز من البرهان نفسه باعتراف القيادي الإسلامي المعروف حسن رزق.
مثلما تلفت النظر ردود الأفعال المتناقضة التي صدرت من جانب الإسلاميين ومن جانب العسكريين، إزاء الإعلان المشار اليه، فقد غضب الاسلاميون فيما استقبل الجنود الأمر بارتياح ملحوظ.
وقد رأى البعض أن الخطاب مصمم للاستهلاك الخارجي لمصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة، وأن كان قد لا يتضمن مايمكن الوثوق به كمواقف جديدة، ويستندون في ذلك على سوابق عديدة في مقدمتها الانقلاب على عهد الشراكة إلا أنه سيشكل منعطفاً مهماً في العلاقة مع قطاع من الإسلاميين والإنقاذيين الذين كانوا يعولون على البرهان بشأن عودتهم للحكم مرة أخرى.
لقد خسر البرهان الإسلاميين دون أن يكسب خصومهم،وأصبح معزولا كلياِ من أي نصير تقريبا.
