حوارات وتحقيقات

التصعيد في نهر النيل.. حالة التهابية مزمنة

عصام الحكيم:

مان إن تغفو ولاية نهر النيل على طي ملف ملتهب إلا وتستفيق من جديد على فواصل ومشاهد أخرى من التصعيد الاحتجاجي المطلبي هنا وهناك.

وللأسف، سلوكياً، باتت ثقافة التعبير عن هذه المطالب والمظالم تتخذ من إغلاق الطرق والجسور والكباري كأقوى الأدوات وكروت الضغط لانجاح حملات التصعيد في مواجهة الدولة وإرغامها على الاستجابة الفورية سواء أكانت أبعاد القضية محلية أو ولائية أو مركزية.

وبغض النظر عن خلفيات جذورها التاريخية قياسا على المدى والسقف الزمني المضروب والمشروط لحلها آنيا من قبل المحتجين، لايستطيع أحد أن يزايد في أي قضية لكن يظل أمر التعرض للمرافق العامة مهما كانت دوافع الاحتجاج هو فعل سلوكي منافي للقانون والآداب والتقاليد العامة ويتعارض مع تعاليم الدين والشرع الحنيف، ولنا جميعا أسوة ومثالا حيا في اعتصام المناصير الشهير الذي نفذه أصحاب الخيار المحلي المتأثرين من قيام سد مروي متخذين من ميدان (العدالة) المجاور لأمانة الحكومة بالدامر مقراً لاعتصامهم ومهتدين بسياسة وأدب حوار النفس الطويل مع الدولة حتى تكلل باتفاق مرض للطرفين دون أن يمس ذاك الاعتصام الحق العام للمواطن أو الدولة بالتعدي، أو يعطل سيرورة الحياة ومن غير أن يمثل إخلالا في مظهره بالآداب والتقاليد العامة أو يسمح باختراقه سياسياً وتشويشه أمنياً.
بعد تجاوز الولاية لواحد من أكبر وأخطر أشكال التصعيد الاحتجاجي نفوذاً وتأثيراً في منطقة الفداء بمحلية أبوحمد والذي لم تفك طلاسمه إلا برافع مركزي من داخل مطابخ صنع القرار بالخرطوم، هاهي قرى منطقة المكايلاب جنوب محلية بربر والفاضلاب بالضفة الغربية الشمالية لمحلية عطبرة تصعد لذروة سنام المشهد وتشد أوتار الأحداث بذات التكتيك وعلى ذات المنوال بقفل حركة النقل والعبور على طريق الذهب عطبرة أبوحمد شمالاً وطريق الأسمنت الرابط بين أم الطيور و مروي غرباً.

ففي حين أغلق مواطنون من قرية المكايلاب، طريق عطبرة بربر  معربين عن بالغ استيائهم من عدم التزام الدولة وإيفائها بالتزاماتها المعلنة تجاه المنطقة تعويضاً وجبراً للضرر المتمثل في معالجة التداعيات الكارثية التي خلفتها محنة السيول التي ضربت المنطقة خلال موسم الخريف المنصرم، أغلق في الجانب الآخر من مسرح الأحداث بمنطقة الفاضلاب مواطنون معتصمون هناك طريق أم الطيور مروي، مما أصاب حركة النقل هناك بالشلل التام.

ووفقاً للمتحدث باسم اللجنة الإدارية بالفاضلاب مصطفى بن عوف فإن الإغلاق جاء بعد شد وجذب مع السلطات الحكومية احتجاجاً لما وصفه تجاهل وتماطل محلية عطبرة وحكومة الولاية وشركات الأسمنت. في تنفيذ مطالبهم الملحة والمشروعة خصماً عن أموال التنمية المحلية والولائية والمسؤولية المجتمعية للشركات وملاك المحاجر المتعلقة بمجالات تقديم وترقية خدمات التعليم والصحة والمياه فضلاً عن تردي خدمات الري بمشروع الفاضلاب الزراعي بسبب ضعف كفاءة وقدرات الجهة الإدارية الشريكة لوزارة الزراعة في تشغيل المشروع.

في هذه الأثناء وبعيداً عن النيل وقريباً من  نهر عطبرة (الأتبراوي) لايزال اعتصام قرى منطقة القبة بنهر عطبرة مستمراً بعد أن اقترب من إكمال الشهر منذ بدء إعلانه وتنفيذه دون التوصل لأي حلول.

وبحسب رئيس اللجنة الميدانية للاعتصام عثمان عبدالواحد، فقد اضطرت اللجنة مجبرة للدخول في مراحل جديدة من التصعيد الاحتجاجي بإغلاق المنافذ المؤدية لقرى نهر عطبرة من مدينة الدامر وذلك بحفر العديد من الخنادق الاعتراضية بهدف إحكام السيطرة على حركة النقل والعبور واقتصارها فقط عبر المنفذ الذي يرابط فيه المحتجون بموقع الاعتصام المنفذ في موضع أراضي القرية النموذجية المحازي لأراضي رشاشات الري المحوري مثار النزاع والخلاف في القضية.

smart

قدر الحكومة الانتقالية التي تدير البلاد في ظل ظروف استثنائية بالغة التعقيد، أن تجد نفسها على ركام وتلال من القضايا والمظالم المسكوت عنها طيلة العقود الماضية وهو ماجعلها في مواجهة مستمرة ومفتوحة مع الحراك الشعبي والمناطقي الملتهب والمتصاعد مابين وتيرتي مسلك المطالبة بحل القضية كحق دستوري والتعدي والتجاوز في ذلك بالخروج عن القانون.

الحكومة المركزية هي أعلى سلطة للدولة وهي أشبه بغدة البنكرياس في جسم الإنسان الذي وظيفته هي تنظيم وتسهيل حركة السكر في الدم بعد تحويله إلى جلكوز، في حال حدث عطل جزئي أو كلي في البنكرياس فيستأثر  بذلك انتظام حركة الجلكوز في الدم وتحديداً أطراف الجسم التي سيتعذر وصول التغدية الدموية المعتادة بذات الحركة والحيوية المنسابة فيبدأ الجسم بالشعور بالتنميل وشيئاً فشيئاً تصاب بالخدر وفقدان الإحساس حتى ينتهي بها الحال إن استمر على ذات المنوال بمضاعفات حادة جراء التهاب غرغرينة القدم السكرية وهو مايستدعي في نهاية المطاف البتر وفقدان الطرف المصاب.

smart

عليه لابد من أن تحرص كافة مستويات الحكم أن تؤدي مسؤولياتها ومهامها بكفاءة وبقدرات تنفيذية عالية تتوخى فيها العدالة ورفع المظالم، ورد الحقوق وتبحث وتتحسس مواطن الخلل في كل مكان وتستجيب للمطالب قبل استفحال الأمور إلى درجة الاحتقان والغليان والتوتر المصحوب بالتصعيد والاحتجاج والتضييق والخناق على المواطنين والدولة معاً.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق