مقالات

دارفور كرايزيس (1-3)

متاريس سودانية

بقلم/ م. جبريل حسن أحمد إبراهيم

وصلنا وكانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية عشر ظهر ا إلى معسكر أبوشوك ضمن وفد حركة وجيش تحرير السودان المجلس القيادي في زيارة تفقدية لعدد من ولايات دارفور وللأمانة كانت فرصة عظيمة للوقوف على الأوضاع الإنسانية والاجتماعية والبيئية ومعايشة طبيعة الحياة لمن هم بالمعسكرات بعد أن فقدوا الإبن والأخ والأب والام والزرع والأمل.

رتل من سياراتنا تتوقف داخل المعسكر ووقفت النحيلة قسمة ترتدي فستانا وخمارا ربطته بإحكام وعيون مثبتة تفحصنا فردا فردا وفي ثبات انفعالي ابتلعه خوف قديم بعد أن اجتمع شيوخ المعسكر وقادته ينتظرون قدومنا عندها تحدثت النازحة قسمة إبراهيم وهي ام لخمسة أطفال بأنه قد حان موعد وجبة إفطار الأطفال واستأذنت حتى تتمكن من تقسيم اطفالها على جيرانها الذين يملكون الوجبة لهذا اليوم وقد انتصف النهار وهي الصورة الصامتة والقصة القصيرة التي أرسلتها قسمة في بريد الزوار الذين ذرفوا دموعاً حارة فكانت المواساة من شيوخ المعسكر، وصلنا لتضميد الجراح لنجد من يضمد أوجاعنا ويمسح دموعنا.
فهذه صورة حقيقية وواقعية عايشناها بمعسكر أبوشوك الذي تقطنه عدة قبائل تشكل مجتمعة مكون دارفور الاجتماعي، تعيش في توادد وتراحم وتكافل وحب.
تحدثنا عن اتفاق جوبا ووجدناهم يتقدمون على الجميع في فهم بنوده وتقسيماته ومساراته ونصوصه ووعوده التي ذكروا أنها تماثل اتفاق ابوجا والدوحة نفس الأرقام والوعود حدثونا عن قرى العودة الطوعية وكيف أنه لم يشاورهم أحد، حدثونا عن المؤتمر العربي برعاية الجامعة العربية لدعم ومعالجة الأوضاع الإنسانية بدارفور ومخرجاته ملايين الدولارات وتصورات القرى النموذجية يحفظونها كأرقام لم تصل إليهم حدثونا عن محكمة جرائم دارفور ديكور كل الاتفاقيات حدثونا عن الحصر وتعداد النازحين بالمعسكرات وعلاقتهم بمنظمات الأمم المتحدة حدثونا عن قلة الخدمات التي تقدمها الحكومة والمنظمات حدثونا عن غياب خطة الدولة لمعادلة سنوات الحرب لحقهم في التعليم والصحة والحرية والعدالة حدثونا عن واجب الدولة حدثونا عن قضيتهم داخل اجندات ثوار ومناضلي أوروبا والجوار الافريقي حدثونا عن التعويضات التي دفعوا عمرهم ثمنا في انتظارها حدثونا عن الأمل الذي طال انتظاره وهو العودة إلى الديار، حدثونا عن عزوف المركز والولايات في تقديم الغذاء الصحي والدواء للكبار قبل الصغار وتركهم لمنظمات الإيواء وأجندات المحن.
باختصار وجدنا من يتقدم على الدولة الرسمية وجنرالات النضال ونخب الحرب والمركز في فهم الأزمة بدارفور ولاحظنا التفاعل الانفعالي المشترك لسكان المعسكر عندما يتحدث أحدهم عن قضية ترسخت مفاهيمهم لها بشكل جماعي ومشترك بحيث تلاحظ غياب التمييز والكراهية والعنصرية والقبيلة لمن هم يعيشون بالمعسكرات ويتقاسمون الإنسانية والدين والعرف والحب و العيش والموت معا ولا أثر لما يتناقله أمراء الحروب وتجار الأزمات من مفردات الظلم والتهميش ويتناسون حقيقة الأزمة.
وهذا هو مدخل مهم في توصيف الأزمة بدارفور التي تتحدث فيها الطبيعة الفطرية بأن سن الزواج قديما دون العشرين، عرف يقر تعدد الزيجات  ويمتهن فيه الرجال الزراعة والرعي مع عدم وجود هجرة عكسية للمركز أو رأسية خارج القطر من أجل الاغتراب، وهذا الوضع الطبيعي يعكس محصلة لنتائج بحثية للنظام الاجتماعي الراسخ بدارفور قبل الأزمة وهو الاستقرار، والإنتاج والتعايش والتزاوج كنتيجة حتمية لانفجار سكاني نتيجته النشاط الاجتماعي الذي أصبح يهدد مشروع الديموقراطية والانتخابات وهي هواجس تجعل نخب المركز تتحسس عروشها.
كامل احترامي

نواصل..

gebrelhassan@gmail.com

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق