إقتصاد

بنك الأسرة.. البصيرة أم حمد

عصام الحكيم:
لم أجد مثلا يمكن أن يحاكي ويجسد قرار مجلس إدارة بنك الأسرة القاضي بإغلاق فرع البنك بمحلية الدامر ونقله ودمجه في فرع محلية عطبرة سوى بما فعلته البصيرة ام حمد في الرواية القديمة المتداولة في التراث الشعبي.

البصيرة أم حمد استنجد بها أهل البلدة حينما أعيتهم الحيلة والوسيلة بوصفها جراب الرأي والمشورة والحكمة في إيجاد حل ومخرج لمأزق العجل الذي أدخل رأسه في جرة الفخار.
فما كان منها إلا أن أشارت إليهم لأن يقطعوا أولاً رأس العجل وبعدما فعلوا أمرتهم على الفور بكسر الجرة، فخسر أهل البلدة البادة الحمقى بمشورتها العجل وفقدوا جرة الفخار في آن واحد، فكان حالها فيما اهتدت إليه كحال المنبت الذي لا أرضاً قطع ولاظهراً أبقى كما ورد في الأثر النبوي الشريف.

وإن كنا لازلنا نأمل ألا ينطبق مجرى رواية المثل الشعبي على مجلس إدارة بنك الأسرة ولا نرضى لأنفسنا في المقابل أن ننزل منزلة أهل البلدة الذين اهدروا بحماقتهم العجل والجرة معا لكن هذا لا يمنعنا من أن نرى حيثيات ذاك القرار على ذات شاكلتي السياقين ان جد عزم الإدارة العليا لبنك الأسرة حقا بتنفيذ قرار إغلاق وتجفيف الفرع الرئيس للبنك بعاصمة الولاية الدامر ونقله ودمجه في فرع عطبرة.

وبعد التحري الاستقصائي عن الأسباب فإنه حسب ما ورد من تبريرات فإن إدارة البنك لجأت لاتخاذ هذه الخطوة لانتفاء الجدوى الاقتصادية من بقاء فرع البنك بالدامر في ظل الخسائر التي ظل يتكبدها في السنوات الأخيرة.

قرار بهذا الشكل لايمكن التعاطي معه بالإذعان لأنه يضعنا أمام عدة استفهامات حاىرة لابد من طرحها والاجتهاد في التداول بشأنها للحصول على إجابات مقنعه من إدارة  البنك بكل شفافية.

أولاً:
هل انتفاء الجدوى الاقتصادية والمصرفية بفرع بنك الأسرة بالدامر ناتج عن إشكالات واختلالات إدارية داخلية تتعلق بالفرع تحديداً أم البنك عموماً؟ فإن كانت إدارية فلماذا لاتتم معالجتها بالإحلال والإبدال  بإدارة أكثر اقتدارا وكفاءة؟

ثانياً:
إن انتفت بالفعل الجدوي الاقتصادية والمصرفية لبقاء فرع البنك بالدامر من واقع تراجع محصلة إيراداته وأرباحه قياسا على منصرفاته فلماذا لم تتنبه إدارة البنك مسبقاً لتدارك ذلك باتخاذ حزمة إجراءات وتدابير للمعالجة بتخفيض الهيكل الوظيفي لتقليل نفقات وتكاليف الصرف الإداري وابتداع سياسات تمويل مصرفي وخدمات بنكية إلكترونية تشجيعية وتحفيزية جاذبة منافسة للعملاء كحال غيره من المصارف ؟

ثالثاً:
مقر فرع البنك الحالي يقع في مرفق حكومي بقيمة إيجار لاتشكل عبئاً مالياً مقلقاً في تكاليف الصرف الإداري، وقد حصل الفرع نظير وجوده في الدامر على امتياز استثنائي لقطعة أرض استثمارية تجارية مميزة في سوق الدامر الجديد.
فلماذا لم يأخذ البنك في الاعتبار هاتين الميزتين اللتين قد يفقدهما في حال تنفيذ قرار الإغلاق والدمج والنقل المعلن ..؟!! فمن حق السلطات نزعها لانتفاء الحاجة وانعدام الخدمة التي بموجبها منح البنك هذا الامتياز.

رابعاً:
بنك. الأسرة في الدامر يقدم خدمة إنسانية واجتماعية لمئات من شريحة المعاشيين والطلاب من المدينة وخارجها فما مصير هؤلاء إن تم إغلاق الفرع ودمجه في فرع عطبرة؟.
فإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة.

خامساً:
هل فرع بنك الأسرة بعطبرة بحسابات الجدوى الاقتصادية المصرفية هو الآخر خاسر أم رابح ؟ وهل يظل في مأمن من مآلات ومخاطر شبح الخسارة والانهيار الذي جعل البنك يترنح شمالاً وشرقاً وغرباً ؟

سادساً:
بافتراض ان فرع الدامر خاسر فلماذا اتي القرار بدمج الفرع الرئيس الاول بحاضرة الولاية في اخر فرعي ولما لا يحدث العكس علي غرار ماحدث في دنقلا بالولاية الشمالية وبورتسودان بالبحر الاحمر وكسلا وغيرها ؟!

سابعاً:
كل المؤشرات والمعطيات تقول ان الكثير من الفروع في ولايات غرب السودان ترنحت وتعثرت وتكبدت خسائر فادحة لاسباب أمنية واقتصادية عديدة بل انها سبقت فرع الدامر والعديد من الفروع بولايات أخرى في التراجع والانهيار ولكن لم تطالها قرارات مجلس إدارة بنك الأسرة بالإغلاق أو التجفيف والدمج.
ففيم الإزدواجية في تقدير السياسيات بشكل جزافي وكيل القرارات بمكاييل مختلفة ودون دراسة او اجتهاد في الحلول؟

ثامناً:
ان كانت دفوعات ومدعاة رئاسة البنك لاتخاذ هكذا قرارات هو تداعيات الازمة الاقتصادية والمالية بالبلاد التي القت بظلالها السالبة والشاحبة علي اداء القطاع المصرفي مما جعل بنك الاسرة بشكل عام وفرعه بالدامر علي وجه الخصوص لايقوي علي امتصاص هذه الافرازات فكيف نجحت بقية المصارف و البنكوك والفروع في التكيف مع ذلك ؟؟!

اعتقد في تقديري لامناص من إعادة النظر في قرار مجلس إدارة بنك الأسرة بنقل ودمج فرع الدامر ولابد لحكومة ولاية نهرالنيل ووزارة المالية والاقتصاد ومن قبل ذلك بنك السودان المركزي الذي يتطلب منه الأمر أن يكون وقافا عند هذه السياسات والقرارات التي تتخذها البنوك والمصارف الحكومية لتقديرات متباينة وذلك من واقع مسؤولياته باعتباره المؤسسة المركزية العليا القيمة على شؤون العمل المصرفي بالبلاد.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق