رسالة إلى السيد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان

كتب/ عوض الكريم إبراهيم محمد:
نكتب إليك اليوم وقلوبنا يعتصرها الألم مما أصاب محلية مروي من ظلمٍ بيّن وصريح، يراه ويشهده كل من دخل إليها، وليس الظلم هنا ناشئاً من ويلات الحرب وحدها وآثارها المدمرة، ولكنه ظلم نابع أيضاً من سوء الإدارة، وعدم المسؤولية، والتخاذل في تحمل الأمانة تجاه المواطن.
نحن مواطنو مروي نحمل إليكم صوت المعاناة، وصوت المحلية التي غمرها الضيق، وتراكمت عليها الهموم، لا سيما بعد غياب الكهرباء لأكثر من ستة أشهر متوالية. هذا الانقطاع الطويل نتج عنه موت المزروعات في سابقة لم نرَ مثلها في تاريخنا الطويل والممتد. فقد تعودنا أن تموت بعض المزروعات الموسمية، لكن أن يموت النخيل، فهذا شيء لم يحدث إلا العام هذا، وهو عام خرابٍ وبؤسٍ شديد حلّ بالمحلية.
ستة أشهر كاملة والنخيل والمانجو والقريب والبرتقال تصارع العطش، فما مات منها مات، وما بقي أصابه التلف وعدم الإنتاج. وحتى ثمر النخيل العام الماضي كان تالفاً إلا قليلاً. أما القمح فلم يبقَ منه إلا القليل، وانتهى البرسيم وبقية الأعلاف، ولم يتبقَّ إلا من كان له مشروع خاص استطاع أن ينقذ جزءاً يسيراً من زراعته.
ومع كل هذا، ظلت الولاية مربّعة يديها، جالسة كأن الأمر لا يعنيها في شيء. يذهب والٍ ويأتي آخر، وتذهب إدارات وتأتي أخرى، ولا جديد في الأمر، ولا جدّية، ولا حتى سعي ولو بطيء للحل، إلا أن تمايل إنسان مروي حتى أوشك على الانهيار.
وعندما شعر الجميع بالخطر تحركوا، فعادت الكهرباء على حياء، يوماً بعد يوم، وبضعفٍ شديد، وارتضى إنسان المحلية بذلك لعلّه يروي عطش مزروعاته التي خسر فيها الكثير: خسر سنين تعبه، وسنين اغترابه، وسنين بيع عقاراته في الخرطوم، وسنين ضيق عيشه… وقَبِل بالقليل على أمل النجاة.
وفي المقابل، التمرد تخصص في الإيذاء، وبسببه تعيش مروي اليوم على الكفاف، وأقل أسباب العيش. ويظهر ذلك بوضوح في السوق الذي أصابه القحط والجفاف، فلم تعد ترى فيه نشاطاً أو حركة، إنما ضعفاً وجفافاً، لأن “شيال التقيلة” – وهو النخيل – قد أصابه التلف والعطش.
وعندما جاءت الكهرباء بنسبة 50% استبشر الكل خيراً، وبدأ الناس في تحضير الموسم الشتوي. لكن التمرد اعتدى على المحولات فتوقفت الكهرباء تماماً، وتوقف معها الموسم الزراعي كاملاً. وهذا المؤشر خطير جداً، بل هو مؤشر شر وسوء ستكون له عواقب وخيمة على إنسان المحلية.
فالنخيل حتى يُثمر لا بد أن يُروى، خصوصاً المزروع في التروس العليا. فإن لم يُروَ لم يُثمر، ولن يحمل الثمر. وهذا يعني أن العام القادم سيكون بلا إنتاج، وبلا بلح. وهذا يعني:
الفلس
المطاردة من البنوك والدائنين
تشريد الأسر
ضياع العائلات
ضياع سنين من الجهد والاجتهاد والعناء
والاستسلام للمصير المجهول الذي قد تكون نتيجته الضياع الكامل
يا سيادة البرهان…
نريد منكم الاهتمام بأمر الكهرباء من جهتين:
أولاً: توفير الكهرباء بشكل كامل ونهائي
لا نريد توفيراً جزئياً أو عابراً أو “عوضياً”، ولا نريد حلولاً وقتية تُرضينا مؤقتاً.
نريد علاجاً جذرياً لا يتحقق إلا بتوفير المحولات الأساسية في السد ومحولات الغزالي.
لا نريد ترقيعاً ولا معالجة آنية، وإنما معالجة حقيقية ونهائية تعيد التيار الكهربائي إلى المحلية في كل مكان.
ليس من العدل، ولا من المنطق، أن تمر الكهرباء من مروي وتذهب إلى كل ربوع السودان بينما تُحرم مروي منها. هذا ظلمٌ بيّن يجب إزالته.
ثانياً: الحماية
موضوع الحماية لا يجب أن يُترك لأحد.
يجب أن تتولاه أنت بنفسك حتى نضمن الحماية الكاملة للمحلية من اعتداءات التمرد الغاشم.
ويجب أن تركز الولاية والمحلية بكل أجهزتها على قضايا المواطن، وأن تترك قضايا الدفاع عن الولاية إلى الأجهزة المختصة. ففي الولاية فرقة عسكرية كاملة، فيها ضباط وعساكر، وفيها مقاومة شعبية، تستطيع أن تنهض بدورها وتسُدّ الفُرقة تماماً، حتى تتفرغ أجهزة الولاية للأمور التي تخص المواطن.
عطش على ضفاف النيل… مأساة لا تُقبل
إن مدينة مروي التي يبعد عنها النيل بضع أمتار تعاني من العطش، ويُسقى مواطنوها عبر “الكارو”.
هذا أمر بئيس، ويحزن كل صاحب ضمير، ويُسقط هيبة أي مسؤول يتقاعس عن أداء دوره في هذا الظرف الحرج.
يجب أن يذهب كل مسؤول يفشل… غير مأسوف عليه.
ويجب أن ينتهي عهد المجاملة والطبطبة على أصحاب المناصب.
نحن في مرحلة تحتاج مضاعفة الجهد والعمل حتى تُسد الفُرقة، وتُعالج الكوارث قبل استفحالها.
ختاماً
نخاطبكم اليوم من مروي…
مروي التي كانت أول من تصدى للتمرد، وألحقت به الهزيمة.
نخاطبكم وأنتم على قمة السلطة، وأنتم تعانون من التمرد وأفعاله.
ونقول كلمة ضرورية:
إن رئيس مجلس الوزراء الذي هاتف مراسلة إعلامية، كان يجب عليه أن يهاتف المتألمين من أبناء وطنه، وأن يخاطب القضايا التي تؤرق المواطن الذي أصبح في حيرة من أمره.
يجب أن تُوقظوا مسؤولي الولاية من نومهم، وأن يسعوا جادين إلى الحلول… أو يذهبوا غير مأسوف عليهم، حتى يأتي من هو أقدر على قيادة الولاية.
والله ولي التوفيق



