حوارات وتحقيقات
عمر الدقير يرحب ببيان الإعلاميين حول الاتفاق الإطاري
بيان الإعلاميين حول الاتفاق الإطاري
عمر الدقير:
صدر يوم أمس، الخميس الموافق ١٢ يناير، بيانٌ مُذيّلٌ بأسماء لفيفٍ من الإعلاميين السودانيين يعلنون فيه تأييدهم للاتفاق الإطاري الذي تم التوقيع عليه في الخامس من ديسمبر الماضي كخطوة في طريق إنهاء انقلاب ٢٥ أكتوبر واسترداد مسار التحول الديمقراطي عبر سلطة مدنية تعمل على تحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة.
ورغم أن هؤلاء الإعلاميين الأفاضل لهم مساهماتهم المقروءة و/أو المسموعة في الفضاء الإعلامي، ومع اتفاقنا مع موقفهم من الاتفاق الاطاري، إلّا أنه غنيٌّ عن القول أن مجرد توقيع مجموعة من الإعلاميين المرموقين على هكذا بيان لا يعني الأخذ به تلقائياً كحجةٍ دامغة للتدليل على صوابية توقيع الاتفاق الإطاري ، وإنما ينبغي التدليل على تلك الصوابية بمنطق محتوى البيان، لأن أي كلام – حول أي موضوع – لا يستمدٌّ نفوذه وتأثيره من مصدره البشري بل من سلامة منطقه الداخلي .. ووصلاً لذلك، هنالك من تسيطر عليه أوهام احتكار المنطق السليم ونفيه عن الآخرين المختلِفين معه، ومن الطبيعي أن يكون ضحية هذه الأوهام مَن امتلأ بنفسه وأصبح مثل “البيضة المسلوقة” – حسب تعبير ساتر – بحيث لا يرى إلّا نفسه ولا يسمع إلّا صدى صوته.
نعتقد أن بيان الإعلاميين قدم حججاً بيِّنة لتأييد الاتفاق الاطاري – وهي ذات الحجج التي دفعتنا للتوقيع عليه – ونذكر منها، باختصارٍ نرجو أن يكون غير مخل، الآتي:
١- الاتفاق الاطاري يحتوي على مبادئ أساسية تتسق مع أهداف وشعارات ثورة ديسمبر المجيدة، وهو ضرورة موضوعية لوقف الدمار الزاحف.
٢- الاتفاق الاطاري – رغم التحفظات عليه – هو وثيقة قابلة للتطوير عبر النقد البنّاء لسد النواقص بالاضافات .. وهو ليس نصوصاً مقدسة بل صنيعة بشرية يمكن أن تصبح، بعد التطوير “وصولاً للاتفاق النهائي”، خريطة طريق سياسية تعبر بنا من مرحلة الانتقال إلى آفاق أرحب تهيئ البلاد لحكم مدني مكتمل الأركان.
٣- أحد أهم سبل ضمان الالتزام بالاتفاق وتحسين شروط تنفيذه، تستلزم تفاعل الديمقراطيين المبدئيين ونهوضهم بواجبهم في كشف الحقائق وإبطال حملات التشويش والتضليل والتخوين.
٤- أصاب بيان الإعلاميين في توصيف واقع وطننا الذي “تزايدت فيه رقع الحريق والاقتتال وسالت المزيد من دماء الأبرياء في ربوعه حتي غدا إنعدام الطمأنينة وانتشار العنف والاقتتال أكبر مهدد لاستقرار وأمن وسيادة بلادنا وسلامة أهلنا، وذلك إضافةً للتردي الذي أطبق على كل مناحي الحياة وعصف بالاقتصاد والأمن والصحة وغيرها”.
٥- لم يَفُتْ على البيان التنبيه للفراغ السياسي والإداري وخطورته .. وهو بالفعل خطير لأن الفراغ عندما تتّسع دائرته ويتطاول أمده يتيح لجهات وتنظيمات وحتى أفراد أن يتسللوا إلى ساحة الثورة ويرفعوا شعاراتها ليتمكنوا من التحكم في أجهزة القرار، بينما هم ليسوا من نسيجها ولا من طبيعتها ولا ينتسبون إليها.
نرحب ببيان الإعلاميين عن الاتفاق الإطاري ونحييهم عليه، وندعو لالتفاف أوسع جبهة مدنية حول مفاعيل هذا الاتفاق للخلاص من الانقلاب ونقل الوطن إلى “وضع القابلية للتغيير” وعبور مستنقع الأزمات بإرادة جماعية .. وهذه سانحة نمدُّ فيها التحية لرفاقنا ورفيقاتنا في أطياف قوى الثورة الذين يرون في الاتفاق خطوة غير موفقة، كما نمدُّ لهم أيادينا وندعوهم – وأنفسنا – للابتعاد عن لغة التخوين وفكرة الخنادق المتقابلة، والالتزام بالتعايش الرفاقي في خندق الثورة الموحّد والبقاء فيه “حتى يَمُرّ الليل”، والتعاهد على ميثاق شرف ينصُّ على احترام تباين التقديرات السياسية وتعدد الوسائل السلمية لمقاومة الانقلاب، وابتهال أية فرصة ممكنة للتعاون من أجل الوصول للهدف المتفق عليه وهو: استرداد مسار التحول الديموقراطي بسلطة مدنية تمثل الثورة وتعمل على تحقيق غاياتها عبر برنامج بناء وطني يوقف نزيف الدماء ويدرأ الانقسام والتشرذم، ويحافظ على وحدة الوطن واستقراره، ويزيح عن شعبه مثاقيل العناء والشقاء ويَسْتَنْبِتُ له أجنحةً للنهوض والتقدم.