مقالاتمنوعات وفنون

الذكرى العاشرة لرحيل محمود عبدالعزيز.. محبة الحواتة ودهشة الوفاء

حــدود المنطق

إسماعيل جبريل تيسو:

بعد انقطاع لعامين بسبب تداعيات فايروس الكورونا، والأوضاع السياسية التي تشهدها البلاد، تعود مجموعة محمود في القلب لتستأنف رحلة الوفاء تخليداً لذكرى الفنان الأسطورة والموهبة المدهشة محمود عبد العزيز ( الحوت)، تعود مجموعة محمود في القلب لتمارس التواصل الحميم مع جمهور الحوت في الذكرى العاشرة لرحيل صنّاجة الأغنية الشبايبة، وامبراطور النغم الجميل، لتكون المناسبة فرصة لاستعادة شيء من الألق القديم والتحليق بأجنحة الوفاء لمن أجزل وأبهر في العطاء.
ولما كانت مجموعة محمود في القلب متصلة بواقعنا الاجتماعي الذي يبدو هذه الأيام مهموماً بقضايا المخدرات الخطر الذي يحدِّق بمستقبل البلاد عبر فئة الشباب، فقد التقطت مجموعة محمود في القلب القفاز، واختارت أن يكون العنوان العريض للذكرى العاشرة لرحيل محمود عبد العزيز (المخدرات) في محاولة جادة وجريئة لمحاصرة هذه الظاهرة الخطيرة والحد من انتشارها لما تمثله من مهدد يثير الكثير من القلق والمخاوف في نفوس الأسر والعائلات.
شكراً مجموعة محمود في القلب وأنتم تواصلون رسم الدهشة فوق الشفاة، ليس بإعمال الوفاء لذكرة عبقري الأغنية محمود عبد العزيز فحسب وإنما لتوظيف المناسبة لتكون مدخلاً لنشر الوعي وسط الشباب والذين يمثلون أكثر من 95 بالمائة من الحواتة التجربة الفريدة في مضمار الأغنية السودانية.
وشكراً للجهات التي أسهمت في دعم وإسناد هذه الذكرى العاشرة ومحتواها التوعـوي والإرشادي بالدعم والرعاية، وفي مقدمتهم مؤسسسة الدعم السريع بقيادة القائد محمد حمدان دقلو، والشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة بقيادة مديرها العام مبارك عبد الرحمن أردول، شكراً لهذه الجهات والمؤسسات الوطنية التي انطلقت من مسؤولياتها الاجتماعية والتزامها الأخلاقي تجاه المجتمع وبذلت جهداً مقدراً لإنجاح الفعالية والتأكيد على تكامل وتضافر الجهد الرسمي والشعبي وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
لقد مرّت عشر سنوات على الرحيل المُر لأسطورة الأغنية السودانية في العصر الحديث، وما زال صوت المغني يسيطر على طقس الغناء في السودان، (عشر سنوات ) مرت ومازال ( محمود عبد العزيز ) حيّا في مواقف الوفـاء والانتماء التي مازال يتكيء عليها (الحواتـة ) ومجموعة محمود في القلب والكثير من فئات المجتمع السوداني الذين عشقوا هذا الفتى وسافروا بين عيــون أغنياته وفواصل موسيقاه إلى عوالم من الدهشة والإبهار.
قطعاً لا مجال هنا لسكب حبر النقـد الفني أو الاتكاز على حدود محاولة مضنية ولذيذة في ذات الوقت، لسبر أغـوار تجربة ( الحوت ) الغنائية أو تقـديم دراسة حول مكامن الإبداع في عبقرية محمود، رغم أن القلم يقاومني ويحاول (جّري) مّرات ومّرات لأقع في فخ الكتابة عن تجربة الحوت، ولكنّ التفاعل مع الذكرى العاشرة لرحيل محمود، تبقى الأحق بالكتابة لأنها فكرة مدهشة وحرية بالتوثيق، ولا أعتقد ثمة مطرباً في العالم حظي بهذا الحب والالتفاف بعد رحيله بمثلما حظي به هذا الفتى النحيل صاحب الصوت الجميل.
ساب البلد سافر بعيد
بكت الدموع ريدنا النبيل
خلانى فى عمق الجرح
مع ليل طويل
عايش وحيد
حاير دليل
لكنو رّوح يا حليل ،،،
السابع عشر من ينـايـر من كل عام، يبقى منصة تنطلق منها مفاهيم جديدة لعناوين قديمة ظلت تلحّ على الحضور،، عناوين تجسّد المعنى المعبـّر عن حقيقة الوفاء، وصدق الانتماء، ولا أرى صدقاً وانتماءاً أكبر من تدافع ( الحواتة ) خفافاً وثقالاً، ومن كل فج عميق، ليلتحموا في مصفوفة من الحب الأبـدي، يحاولون من خلاله إحياء ذكرى فنان ربطهم كبنيان مرصوص فارتبطوا به، وتعارفوا وتألفوا وتمازجوا كتمازج الزرع بالأرض، والسُّنة بالفرض.

عجيب أمر هؤلاء (الحواتة )، تناسوا ارتفاع الأسعار وسطوة الدولار وخرجوا إلى الشوارع في تظاهرات ومواكب يعلنون خلالها انتماءاً جديداً ومتجدداً لمحبوبهم الأبدي محمود عبد العزيز ،،
محبة وريد لي الله
يا ناسي الريد ،،،،
النسى لقديمو ضلّ
هكذا يتغنى (الحواتة ) في غياب الحوت وعلى إيقاع فرقته وكأنه حاضراً بينهم، فتتجدد الأحزان وتثار لواعج الأشجان، فتعبث الأشواق وتبكي الأحداق ويتجدد نزيف اجترار الذكريات والمواقف، يا لهذا الحب الجارف، ويا لهذا الوفاء ويا لهذا التفاني ويا لهذا الإخلاص الذي ظل يأطِّر صورة العلاقة التي ربطت محمود عبد العزيز بجمهوره العزيز، ولعلها المرة الأولى في تأريخ الوسط الفني أن تحتشد فئة من الجماهيـر وتأطِّر نفسها في رزنامة تعتصم بحبل محبة فنان بعينه.
( الحواتة ) أيقـونة جديدة أطلت برأسها على المشهد الاجتماعي والفني في السودان، فإن عرف المجتمع السوداني في السابق مسميات، مثل هلالاب ومريخاب، فقد استطاع محمود عبد العزيز أن يصهرهم جميعاً في بوتقة ( الحواتة )، التي أصبحت واحدة من أهم ممسكات الوحدة ورتق النسيج الاجتماعي، لتكون القضية أكبر من جمهور يحب فناناً ويعشق أغنياته ويطرب لها، لقد تجاوزت عــلاقة محمود عبد العزيز بجمهوره كل هذه التفاصيل.
محمود عبد العزيز، لقد أدهشت العالم حياً وميتاً !! أين يكمن سر هذا الانتماء والتعلق والمحبة التي لا تنتهي، هل هي الأغنيات؟ أم الشخصية الآثرة؟ أكثر من خمس سنوات على الرحيل، وما زلت مسيطراً على الساحة الغنائية ومتمدداً في مسامات الوسط الفني، لا مذاق لأثيـر الإذاعات ومحطات التلفزة إلا بصوتك أو سيرتك أو تخليد ذكراك؟ فلترقـد بسلام أيها الإنسان الطيب، فكثير من الحواتة لا ينامون قبل أن يدعـوا لك، وكثير من الحواتة ما يزالون يتنفسونك فناً وطرباً وعشقاً وإنسانية، سعيد أنت أيها الحوت، فقد أسعدتهم في دنياك وهاهم يحاولون إسعادك وأنت في آخرتك، وإذا أحبّ الله عبداً حبّب الناس فيه، نسأل الله لك الرحمة والمغفرة وفعلاً ،،،،
حظوا طيب
والله أداه
عمرو ما
لاقاني
زي ده

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق