إخلاص نمر:
ومنذ الوهلة الأولى، جذبتني المدينه إليها، فموقعها على خط الاستواء، منحها الطقس الحار والرطب، لكن اطلالتها الساحرة على المحيط الهندي، جعلت منها مدينة ملهمة للسياح والشعراء، اما منازلها القديمة، ذات المشرفات الخشبيه، أضفت عليها التفرد والجمال، فالمدينة تقع في جزيرة تسمى باسمها، وعبر جسر نيالي تتصل بالبر الشمالي، كما يربطها جسر فيري جنوبا، وجسر ماكوبا غربا.
هبطت بنا الطائرة في مطار موي الدولي نهارا ،فاستقبلنا طقسها الحار، لكن التجوال فيها بعد أيام من الوصول جعلنا ننسى رطوبة وحرارة الطقس، فللمدينة طعم ونكهة مميزة، والسكان هناك، يعشقون الحديث بلغتهم، ويتنقلون من شمال المدينة إلى جنوبها، من نيالي وبامبوري وشانزو الي شالي ويتوي وديانيبشيس، ولعل افضل الأحياء في ممبسا هو كيزنجو، الذي يضم المجلس البلدي و ولاية ممبسا، والمقر الإقليمي ،اما الجزء القديم من المدينه، فإن طابعه هو العمارة السواحيلية القديمة وفي باغاني يقبع حصن يسوع.
كان التجوال في المدينة القديمة ممتعا، برفقة الأخ والصديق ناجي زاكي ورفيقه الكيني جمال، وما زاد من متعة ذلك تناول الكسافة، التي تذوقتها على الشاطيء، من اكشاك صغيرة للبيع وفق طلب الزبون، ولا ادري ان كانت الكسافه من عائلة الفواكه او الخضروات، لكن ادري تماما انها لذيذة جدا، يتسابق أصحاب الاكشاك لبيعها للزبون، ويبدو ان جمال، يعد صديقا دائما لبعضهم هناك، إذ تسابق اليه الجميع ونحن في معيته وفي ايديهم الكسافه، وتحيته قبل ذلك، تناولنا قراطيس الكسافه وجلسنا على الشاطئ ثلاثتنا، ناجي وجمال وانا، كانت مجموعات كثيرة من الناس تغادر المنطقة مساء، على ظهر سفينة كبيرة تشق عباب الماء الي الضفة الأخرى، بعد عناء يوم طويل وشاق من العمل والإنجاز ، ليشرق صباح اليوم التالي، وتبدأ رحلة العودة إلى العمل عبر ذات السفينة، التي تدفق الحياة ثانية بعودتها إلى الشاطئ.
وذات يوم أفضى بنا المشي إلى انياب موي القريبة من حديقة اوهورو، وهي احد المعالم الرئيسة في ممبسا ، ولها قصة جميله إذ يرجع تاريخها الي العام 1956، عندما زارت الأميرة مارغريت مدينة ممبسا، حيث تم بناء الانياب تحية وتقديرا لها، وما ان وقع بصري على الانياب، حتى بادرت ناجي بالسؤال، هل الانياب من العاج؟؟ وضعتني اجابته في خانة الدهشة، فالانياب مصنوعه من الفولاذ، وليس العاج، وبتدقيق النظر إليها نجد انها تشكل الحرف (ام) في الانجليزية والذي يرمز لممبسا.
جميلة هذه الحديقة، هتفت بهذه الجملة وانا اسجل زيارة الى هالر بارك، وشدني منظر مدرب التماسيح، التي تستكين في قاع بحيرة عريضة، لكن المدرب كان حريصا للدفع بها إلى التحرك يمنة ويسرة والى أعلى، بسنارتة التي تحمل قطعة. من اللحم، يلوح بها أمام التماسيح التي تحاول الإمساك بها، هذه الحيله تجعلك أمام التمساح، وهو يقفز قفزا باتجاه السنارة، الأمر الذي الذي ترك بصمة من الدهشة والمتعة في وجوه السياح.
تسكعت مع زاكي وجمال في شارع ستيت هاوس وشارع ديغو وموي افنيو، علقت بذاكرتي صورة المدينة القديمة، وشاطيء المحيط الهندي، الذي امتلأ بالسياح، و المراكب الصغيرة، والمهرة من السباحين الصغار، الشواطئ في هذه المدينة الساحرة، لها عبق خاص، فعلى شواطئ نيالي وبامبوري وشانزو، تفيض الرمال ناصعة البياض.
مدينة ممبسا، تعكس الجمال الافريقي، وتبرز التنوع الثقافي بين سكانها من العرب والافارقه والبرتغاليين، وحقيقي ان المدينة هي بمثابة سرد تاريخي وثقافي، يعود إلى قرون خلت ، في ممبسا الساحلية ،خاصة مسجد المنذري الذي يعود بناءه الي العام 1570.
غادرت المدينة بعد اسبوع كامل، وذكراها مازالت في قلبي، واستقبال ناجي زاكي وشقيقته سعاد وزوجها الأستاذ المخضرم بركات، كل هذه الذكرى حية في داخلي، يزيد اوارها طعم الشاي الكيني المعتق.