مقالات

الصراع الدموي المحزن بين الهوسا والبرتي

السودان بلد ساهمت الكثير من نخبه السياسية والعسكرية في تدميره بسبب طرائق التفكير الموغلة في الرجعية

برير إسماعيل:

كل الثوار والثائرات في داخل السودان وخارجه يهمهم أمر الصراع الدموي المحزن بين الهوسا والبرتي الذي فقدت فيه البلاد مواطنين أعزاء من الطرفين في حالة غياب تام لمؤسسات دولة المنظومة الإنقلابية لأنَّ الجميع سودانيين و سودانيات إنطلاقاً من مفهوم السودانوية.
القضية السودانية في النيل الأزرق حيث الصراع ما بين الهوسا والبرتي هي بالتأكيد قضية وطنية سودانية تهم كل مكوِّنات قوى الثورة الحيَّة المناهضة للمنظومة الإنقلابية بقيادة اللجنة الأمنية لنظام الجبهة الإسلامية القومية التي تحكم السودان الآن بعد أن غيِّرت جلدها الحربائي في يوم 11 أبريل 2019م.
المعاملة بالقطاعي وبطرائق تفكير تعتمد في مرتكزاتها التنظيرية الأساسية على سياسة رزق اليوم باليوم وعلى إنه يجب على كل مكوِّن سوداني أن يأكل ناره ويواجه مصيره إن كان ذلك المصير في مواجهة الدولة المحاربة لمكوناتها أو في مواجهة أي مكوِّن سوداني آخر حتى و إن كان هذا المكوِّن الآخر متضرراً من ذات الدولة هذه المعاملة القاصرة تسببت في حالة الدمار الشامل الذي تعيشه البلاد منذ عشرات السنين.
عليه فرض عين على كل المنابر السودانية الثورية تناول الصراع ما بين الهوسا والبرتي في النيل الأزرق بحثاً عن تعزيز ثقافة الإعتراف بالآخر و بحقوق المواطنة و بأن السودان بلد يسع الجميع و سيكون بالجميع.
السودان بلد ساهمت الكثير من نخبه السياسية (الأفندية المدنيون ) والعسكرية (الأفندية الجيَّاشة) في تدميره بسبب طرائق التفكير الموغلة في الرجعية و إن درس البعض منهم في أعظم الجامعات و حمل أعلى الدرجات العملية الطبيعية و الإنسانية و العسكرية.
عصبية القبيلة أي القبلنة في السودان سببها غياب المشروع الوطني السوداني الذي كان يجب أن يجد فيه كل مواطن نفسه لأن المواطن سيلجأ دائماً و أبداً لأهل بيته و لمكوِّنه المحلي بحثاً عن الأمن و السلام و الحياة الكريمة في غياب مؤسسات الدولة الراشدة المسؤولة عن صحته و تعليمه و حمايته حتى من نفسه ومن العدو الخارجي الذي لم تنازله الدولة الوطنية السودانية عسكرياً منذ الأول من يناير 1956م إلى يومنا هذا بالرغم من أن العدو حضر و إحتل الفشقة و حلايب و شلاتين ولكنها أي الدولة الوطنية كانت فالحة جدا في منازلة مواطنيها بجيشها الجنجويدي الذي أنجب المليشيات الجنجويدية للمواصلة في محاربة شعوبها الثائرة ضد مظالمها التاريخية المعروفة و نذكر من هذه المليشيات الجنجويدية التي أنجبها الجيش السوداني : المراحيل و الدبابين والدفاع الشعبي و حرس الحدود والدعم السريع على سبيل المثال لا الحصر.
الأحداث الأسيفة في النيل الأزرق بين الهوسا و البرتي كشفت مجدداً للناس عورات إتفاقيات سلام جوبا حيث لم تستطع الحركة الشعبية التي يترأسها مالك عقار المساهمة في توفير الحماية للمواطنين والسبب في ذلك هو أنَّ المنظومة التي قادت المفاوضات في جوبا بإسم الثورة وممثلةً لحكومتها هي ذات المنظومة الكيزانية الأمنية الجنجويدية التي ثارت الحركة الجماهيرية ضدها وذات الأمر حدث في دارفور حيث لم تستطع الحركات التي حملت السلاح من أجل قضايا عادلة المساهمة في تحقيق الأمن و الطمأنينة لمواطني و مواطنات الإقليم و لذلك جرت الأحداث الدامية التي سقط فيها عدداً من الشهداء في الجنينة وفتابرنو و نيرتتي و كلوقي و زمزم وطويلة …إلخ بعد 11 أبريل 2019م.
المفهوم الساذج المخل الذي يروج له الجنجويدي الأكبر الجنرال البرهان والجنجويدي الأصغر حميدتي ويروج له كذلك الكثير من قادة حركات إتفاقيات سلام جوبا عن توفير السلام عبر إعادة إنتشار التشكيلات العسكرية المقاتلة بطريقة مبسطة و مخلة تتمثل في حكاية: منكم ثلاثون مقاتلا و مِنَّا عشرون مقاتلاً في مناطق النزاعات المسلحة لن يُجدي نفعاً لأن السلام عملية معقدة محتاجة لمؤسسات الدولة الراشدة و بإختصار شديد لن يتحقق السلام في دولة تقودها المؤسسات العسكرية الجنجويدية ذات العقلية القتالية الإنتقامية التي لا تستطيع أن تفرِّق ما بين السلطات الثلاث المعروفة في أي دولة محترمة لمواطنيها على سطح البسيطة وهي السلطات التالية: التشريعية و التنفيذية و القضائية.
للأسف الشديد الواقع السوداني يقول إنَّ عصبية القبيلة غير مرتبطة بالمستوى التعليمي للفرد أو للجماعة فقد تجد شخصاً يحمل درجة الأستاذية في مجاله ولكنه صاحب عقلية موغلة في القبلنة و لهذا السبب و لغيره من الأسباب الكثيرة التي يصعب المجال هنا لذكرها كتب الصديق العزيز الراحل المقيم بعطائه الوطني الكبير د. عبد الله بولا في سِفره العظيم عن مكونات الشخصية السودانية و أطلق هذا السِفر الخالد :
شجرة نسب الغول في مشكل الهوية الثقافية وحقوق الإنسان في السودان، أطروحة في كون الغول الإسلاموي لم يهبط علينا من السماء ومواضيع أخرى في الديمقراطية والثقافة وحقوق الإنسان.
هذه الدراسة للراحل د. عبد الله بولا عليه رحمة الله يجب أن تُدرس في المدارس الإبتدائية و الثانوية و في نفس الوقت يجب أن يتم تداولها و غيرها من المواد التي تستهدف تعزيز ثقافة الإعتراف بالآخر السوداني و غير السوداني في المنابر الإعلامية السودانية غير الرسمية وفي منابر الدولة عندما يتم تحرير مؤسساتها من المنظومة الإنقلابية الحالية.
المحنة الكبرى التي تعاني بسببها البلد هي أن ثقافة عدم الإعتراف بالآخر و العمل على تحقيره و التقليل من إنسانيته و العمل على هضم حقوقه ثقافة متجذرة حتى بين النخب السودانية المناط بها المساهمة في قيادة البلد إلى بر الأمان.
لقد حكى لي صديق عزيز عن مشاجرة كلامية حدثت بين يساريين سودانيين في حزب يعتبره المواطنون والمواطنات من الأحزاب الطليعية في البلد وقد قدَّم الحزب نفسه للجماهير عبر أدبياته السياسية بأنه حزب مع دولة المواطنة المعروف عنها بأنها لم تؤسس على أساس المفاضلة بين المواطنين بناءً على لون البشرة أو الدين أو الإثنية …إلخ و إذا بأحدهما يقول للآخر: “هي الدنيا دي لو ما بت كلب أنا و إنت نكون في حزب واحد” وسبب هذا الكلام هو أن الشخصين ينتميان لمكونين سودانيين مختلفين والشاهد أن الحزب رغم وجاهة طرحه لم يستطع تربية هذا العضو تربية راشدة.
رأس الدولة السودانية سابقاً بوضع اليد السفاح عمر البشير المطلوب دولياً بسبب الجرائم التي إرتكبها في حقه شعبه في دارفور معروف عنه حديث الغرباوية : حيث قال فيما معناه هي الغرباوية لو إغتصبها جعلي هل هذا شرف لها أم إغتصاب؟ .
الصراع الذي كان يدور في القصر الجهوري بين العصابة المنتمية لحركة الأخوان المسلمين في عهد السفاح عمر البشير كانت لديه جذور قبلية بمعنى آخر يمكن القول بأن عقلية القبلنة هي التي كانت و لا تزال مسيطرة على مقاليد السلطة في البلد بل وصلنا لمرحلة عقلية عصبية الحزب و النقابة …إلخ في العمل العام السوداني المناهض للإنقلابيين.
الدولة السودانية المعاصرة شنت حربين للإبادة الجماعية على شعبها الأولى كانت في جنوب السودان وصلت عقيدتها القتالية لمرحلة إعلان الجهاد الإسلامي ضد المواطنين السودانيين الجنوبيين ونال الجنوب إستقلاله و الحرب الثانية كانت في دارفور و جبال النوبة و جنوب النيل الأزرق وهي حرب ذات مرجعيات عنصرية و ثقافية و دينية و لها أسباب متعلقة بالصراع حول الموارد.
الأقاليم السودانية نفسها ليست بكتلة صماء خالية من الصراعات القبلية والإثنية والدينية والثقافية فهناك صراعات في داخلها على أسس قبلية و عنصرية تكاد تتلاقى في كثير من الوجوه مع ذات المنطلقات التي تنطلق منها الآلة الحربية للدولة السودانية المعاصرة أي دولة ما سُمِي بالإستقلال و الذي كان في حقيقته إستغلالاً لملايين المواطنين والمواطنات و لذلك فإن حديث بعض النخب على أساس إنه كان إستقلالاً مثل صحن الصيني حديث لم يكن دقيقاً فقد كذبه الواقع المعاش خلال أكثر من ستين عاماً. رغم أهمية دور الأحزاب السياسية في السودان و في أي بلد في العالم إلا أن غالبية أحزابنا السودانية محتاجة لإعادة ترتيب أوراقها لتكون أحزاباً سياسية معاصرة لها برامج ورؤى و قيادتها مفتوحة لجميع أبناء و بنات السودان بناءً على الكفاءة و ليس بناءً على الهوية الشخصية للعضو أو بناءً على العمل الشللي بداخلها و في ذات السياق لابد لكل الأحزاب السودانية أن تركز بصورة أساسية في برامجها و فلسفتها و تنظيراتها على القضايا السودانية بعيداً الحمولات الأيديولوجية أي أن فرض عين على الأحزاب السودانية أن تطرح برامجاً وطنيةً تستهدف بها المساهمة مع الآخرين في بناء المشروع الوطني السوداني المغيب بفعل فاعل و الذي لا يمكن لتنظيم واحد القيام به بمعزل عن مساهمات الآخرين و لتكن السودانوية بمثابة الهم الأول و الأخير لكل قوانا السياسية الحيَّة و ما زاد عن الحاجة يتم توزيعه على المجتمع الإنساني في كل بقاع الأرض.
الخلاصات تقول إن الأحداث المأساوية المحزنة في النيل الأزرق بين مكوني الهوسا و البرتي ليست بالأحداث الجديدة في السودان و لن تكون الأخيرة ما لم يتحمل كل مواطن/ة حادب/ة على وحدة البلد على أسس جديدة نصيبه/ا من المسؤولية و لن تكون الأخيرة ما لم تتحمل أحزابنا و مؤسسات مجتمعنا المدني نصيبها من المسؤولية و لن تكون الأخيرة ما لم تتوحد قوى الثورة الحيَّة صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير الجذري في السودان نصيبها من المسؤولية و لن تكون الأخيرة ما لم تتغير الكثير من العقليات الشللية و التخوينية المتربصة بالآخر و إن كان في معسكر الثورة و التي تقود المعارضة بذات طرائق التفكير التي قادت بها الجبهة الإسلامية القومية البلد و تقودها بها في الوقت الحالي المنظومة الإنقلابية التي تمتلك مفاصل صناعة القرارات المصيرية فيها اللجنة الأمنية لنظام الجبهة الإسلامية القومية وهي إسم الدلع لحركة الأخوان المسلمين الأحادية الإرهابية التي أوردت البلاد مورد الهلاك بعد أن أذلت مواطنيها ومواطناتها.

الثورة مستمرة و النصر أكيد.

16 يوليو – كارديف 2022م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق