الاعتداء على دولة قطر.. هل يكون إحدى تجليات العلو الثاني لبني إسرائيل؟

د.أسامة سيدأحمد حسين:
التساؤل يدخل في صميم الجمع بين التحليل الحضاري المعاصر للصراع وبين البعد الغيبي الذي تؤمن به الأمة.
عمل المفكر محمد أبو القاسم حاج حمد يُقدم إطارًا منهجيًا لفهم “كيفية” المواجهة وطبيعتها، بينما يأتي الوعد القرآني ليبشر بالنهاية الحتمية لهذه المواجهة وفقًا لإرادة الله تعالى. لا يتناول حاج حمد في أعماله الرئيسية (مثل “العالمية الإسلامية الثانية”) التفاصيل الزمنية أو المرحلية للوعد القرآني (كعلامات الساعة أو ترتيب الأحداث) بشكل مباشر، لأنه كان منشغلاً ببناء المنهجية وليس سرد السيناريو. لذلك، فإن الربط بين فكرته والوعد القرآني يكون بناءً على الاستنباط من إطاره النظري العام.
إليك كيف يمكن الجمع بين فكرة حاج حمد والوعد القرآني بهزيمة إسرائيل بعد “العلو الثاني”:
1. فهم “العلو” و”الهزيمة” beyond the mere political and military
حاج حمد سيرفض تفسير “العلو” و”الإفساد” مجردًا كسلطة سياسية أو قوة عسكرية فقط. هو يرى أن “العلو” الحقيقي لإسرائيل هو علو المنهجية الغربية المادية التي تمثلها.
· العلو الأول: هو فترة الهيمنة والسيطرة العسكرية والسياسية المباشرة، والتي هي نتيجة طبيعية لتخلف الأمة منهجيًا وحضاريًا.
· العلو الثاني: قد لا يكون بالضرورة علوًا عسكريًا أكبر، بل هو “علو منهجي” أعمق، حيث تظل الأمة عاجزة عن إنتاج بديلها الحضاري وتستمر في التعامل بأدوات خصمها (العلمانية، القومية، المادية)، مما يطيل أمد هيمنته حتى لو تراجعت قوته المادية الظاهرة.
2. الهزيمة ليست حدثًا عسكريًا فحسب، بل هي انهيار مشروع حضاري.
الهزيمة التي يتحدث عنها الوعد القرآني، في ضوء رؤية حاج حمد، هي هزيمة المشروع الصهيوني-الغربي المادي في صراع المشاريع الحضارية.لن تكون مجرد هزيمة جيش أو زوال دولة، بل هي انهيار شرعية المشروع كله وفشله في تحقيق السيطرة الكلية، وبروز المشروع الإسلامي كبديل حقيقي. الهزيمة العسكرية ستكون نتيجة حتمية وذروة مرئية لهذا الانهيار الحضاري والمنهجي، وليس العكس.
3. دور “العالمية الإسلامية الثانية” كتمهيد وتحقيق للوعد:
الوعد الإلهي لا يتحقق بمعجزة خارقة منفصلة عن سنن الله في الكون (قوانين السببية والتاريخ). هنا يأتي دور فكرة حاج حمد الأساسية: “العالمية الإسلامية الثانية” هي التجسيد العملي والسني (حسب سنن الله) للاستعداد لتحقيق الوعد. هي ليست الوعد نفسه، بل هي المنهجية التي يجب على الأمة اتباعها لتصبح أهلاً لأن تكون أداة تحقق هذا الوعد. ليست الهزيمة حدثًا سحريًا، بل هي نتيجة حتمية لصعود مشروع حضاري إسلامي أصيل قائم على منهجية الوحي، يعيد تعريف المفاهيم، ويبني القوة الشاملة (المعرفية، الاقتصادية، الاجتماعية، العسكرية)، ويكسر احتكار الغرب للمعارف ومناهج التفكير.
· عندما تنجح الأمة في بناء “عالميتها الثانية” – أي مشروعها الحضاري المستقل – فإنها تخلق الشروط الموضوعية والذاتية لهزيمة المشروع المنافس، وعندها يتحقق الوعد القرآني.
التلخيص في نقاط:
1. الوعد القرآني غيبي وحتمي، وهو بشرى للمؤمنين وليس مدعاة للانتظار والكسل.
2. فكر حاج حمد يقدم الإجابة على “كيف نستعد لتحقيق هذا الوعد؟” وفق سنن الله في التغيير والصراع.
3. “العلو” في التفسير الحضاري هو هيمنة المنهجية المادية الغربية/الصهيونية.
4. “الهزيمة” هي انهيار هذه المنهجية وبروز البديل الإسلامي، وتتجلى في الهزيمة العسكرية والسياسية.
5. “العالمية الإسلامية الثانية” هي اسم للمشروع الحضاري الذي يجب أن تنهض به الأمة لتصبح أداة فعالة في يد القدرة الإلهية لتحقيق الوعد، وفق السنن الإلهية.
الخلاصة: لا يناقش حاج حمد الوعد مباشرة، ولكن فكرته تشرح الآلية الحضارية التي من خلالها تتحقق نبوءة الوعد. الهزيمة لن تأتي من خارج سنن التاريخ، بل ستكون نتيجة الصراع بين مشروعين، مشروع الأمة المستعيد لهويته ومنهجيته (العالمية الإسلامية الثانية) والمشروع الصهيوني المادي. انتصار الأول هو هزيمة الثاني، وهو ما بشّر به القرآن.
د.أسامة سيدأحمد حسين/ مركز تدبر للبحث العلمي




