مقالات
الجميل الفاضل يكتب: سؤال “الثورة” (٢)
لم يَدُرْ بِخَلدِ العالم أن ثورة يُمكن أن تنبت في تربة العالم الثالث الفقير، ومن أرض الكوارث المتوطنة “أفريقيا”، تتجاوز في تطلعاتها البحث عما يَسدُ الرَمق، ويُسكِتُ صراخ الإمعاوات الخاوية.
وبطبيعة الحال فقد بدا مدهشا لقادة العالم الكبار الذين تباروا في مدح الثورة السودانية، أن شعبا من جنوب الكوكب، ما ثار على حكامه سوي لإستعادة كبريائه الوطني الجريح، وكرامته الانسانية المستباحة.
شعب بذل دماء وأرواح أبنائه رخيصة، من أجل قيم الحرية، والسلام، والعدالة، ومن أجل إرساء القواعد لدولة مدنية عصرية حديثة، تقوم علي مبدأ المواطنة المتساوية، كأساس للحقوق والواجبات.
هكذا قالها سفير دولة السويد بالخرطوم، هانس هينريك ليندكويست جملة واحدة: “الثورة السودانية تجربة فريدة، ومن الصعب أن نقارنها بما حدث في أي مكان آخر”.
وفي ذات سياق الأعتراف بفرادة هذه الثورة وتميزها، قالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشئون الإفريقية، مولي كاثرين في: “انها قد عملت في مناطق شتي من العالم، بيد أنها لم تجد عزما وتصميما، كالذي وجدته لدي الشباب السوداني الثائر”.
لكن شهادة كبري تعزز اعترافات كثير من قادة العالم بفرادة وتميز الثورة السودانية عما سواها من ثورات، جاءت هذه المرة من رئيس الولايات المتحدة “جو بايدن” الذي قال امام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل عامين: “يعيش في السودان النساء الشجاعات اللاتي تصدين للعنف والقهر لكي يُخلع دكتاتور الإبادة الجماعية من منصبه، واللاتي يواصلن العمل يوميًا للدفاع عن التقدم الديمقراطي”.
لقد اضحي ثوار السودان نساء ورجال مضربا للمثل أنظر ما قاله الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون لذوي السترات الصفراء في باريس في العام (٢٠١٩): “انظروا إلى الثورة السودانية وسِلميّتها، وقد شارَك فيها أكثر من (5) ملايين معتصم، ولكن لم نر عنفاً أو مُمارسات غير أخلاقية، ويجب أن نعي جميعاً الدرس بأن مؤسسات الدولة ملكٌ للشعب”.
وقول وزير خارجية فرنسا السابق جان إيف لودريان الذي عزّز قول ماكرون بقوله للسودانيين: “لقد كان تصميمكم مدهشاً وأنتم تسعون من أجل الحرية وتتفادون كل مُنزلقات العنف, لقد تابعنا برعُب وغضب استخدام العنف ضد الثوار, وتابعنا بإعجاب تحلِّيكم بالنضج والمسئولية والهدوء في ظرفِ قمع عنيف”.
لتبقى ثورة ديسمبر المجيدة تجربة فريدة، لا يمكن مقارنتها باي حراك ثوري جري في هذه المنطقة من المحيط الي الخليج، انتج تغييرا محدود النتيجة والاثر، كحال ما حدث في موجة ما عرف بالربيع العربي في العام (٢٠١١)، أو حتي مقارنتها باي انتفاضة شعبية، اوهبة ثورية في السودان، احدثت تغييرا سطحيا اقتصر علي استبدال الوجوه، وتبادل المواقع، تغييرا لم يطال أبنية، وقواعد، ونظم الدولة برمتها.
إذ لأكثر من اربعة أعوام تقريبا، بصيفها وخريفها وشتائها، ظلت تشهد هذه البلاد، وبلا انقطاع، ما يشبه المعجزة، يحدث بشكل شبه يومي.
انها معجزة يكتب فصولها على الارض بلا كلل، ودون ملل، هذا الجيل الملحمي الشاب، بدأب شديد وبتفان منقطع النظير، رغم سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحي منذ الإطاحة بالمخلوع البشير.