حقوق الإنسانمقالات

وما انقطع عشم الأم في جورلانغبانغ في جبل مرة.. رحلة إنقاذ للحياة

إسماعيل هجانة:

في قلب جبال مرة الوعرة في دارفور، حيث تتردد همسات الصراع، وازيز المقاتلات عبر الوديان، توجد قرية تدعى جورلانغبانغ. هنا، في هذا الركن المنسي من العالم، الذي لم تسمعوا به من قبل ربما الا في هذه القصة، حيث حدثت المعجزات. إنها قصة تحكي الكثير عن الشجاعة والعزيمة والنباهة، وذلك بفضل الشباب الرائعين و الأبطال الحقيقيين في منظمة كير السودان.

تخيل هذا: فاطمة، أم في غورلانغبانغ، تحمل على صدرها طفلتها المريضة البالغة من العمر 19 شهرًا، وقلبها مثقل بالقلق. تبحث عن الدواء، أين يوجد أقرب دواء؟ في ضخمة على بعد 120 ميلا. الدموع تغسل وجه الأم المكلومة، وتتساقط على طفلتها المفجوعة بالمرض. لم يكن الدواء على مرمى حجر بل كان في مكان مستحيل الوصول اليه!؛ رحلة الوصول إلى الدواء محفوفة بالمخاطر عبر تضاريس مجهولة مليئة بالصراعات، حيث يتربص الموت بالأحياء في شتى الصور. العيادة المحلية؟ جافة مثل الصحراء ، لا دواء لا شيء سوى أنين المرضى وجثث الموتى التي تخرج منها وسط النحيب والدموع والصمت والحسرة، وآخرين ينتظرون مصيرهم المحتوم هو الموت لا محال. ببساطة انعدام الإمدادات الطبية في تلك المناطق المعزولة والمحرومة بصورة ممنهجة في مثل هذه الظروف يعد جريمة إنسانية وجريمة حرب.

دخول منظمة كير السودان، ليس على حصان أبيض، ولكن بخطة جريئة، شجاعة وخلاقة. لقد شكلت سلسلة جبال مرة، المشهورة تحديًا هائلًا وصعب. ولكن مهلا، عندما تصبح الأمور صعبة، تبدأ الأمور الصعبة، أليس كذلك؟ وتبدأ العقول الخلاقة والارواح الشجاعة في اختبار التحديات ومواجهة المصير المستحيل من اجل الوصول. حيث لا مستحيل في العمل الإنساني.

الدكتورة سكينة أحمدي وفريقها، هم الأبطال الحقيقيون، لم يفكروا خارج الصندوق فحسب؛ بل ألقوا الصندوق خارجا. الطرق؟ حينما أغلقت الطرق! قالوا ومن يحتاج الى الطرق من يحتاج إليها أصلا! عندما يكون لديك جمال؟ وفي خطوة عبقرية من المدرسة القديمة، قرروا ركوب قافلة من الجمال لنقل وتسليم الإمدادات الطبية. لقد كان الأمر أشبه بشيء من رواية في كتب المغامرات المستحيلة، لكنه حقيقي فقط ورهانات على دعوات تصل إلى السماء، ولن تعود خائبة.

تخيل فرحة فاطمة عندما سمعت الخبر: قافلة من الأمل، تسير عبر الجبال، محملة بالجرعات المنقذة للحياة. كان شريان الحياة في طريقه لابنتها، ليس عن طريق الطريق، ولكن عن طريق الحافر! لم يكن مجرد تسليم. لقد كانت رسالة عالية وواضحة – “انتظر، المساعدة في الطريق!”

كان اليوم الذي دخلت فيه تلك الجمال إلى غورلانغبانغ يوم ابتهاج واحتفالات الامهات والمرضى في القرى المجاورة. مثل مشهد من فيلم، تجمع القرويون، عيونهم واسعة من عدم التصديق وقلوبهم تمتلئ بالامتنان. حصلت ابنة فاطمة على دوائها، والأمل لم ينقطع كما العشم، الذي كان ذات يوم شعلة براقة، اشتعلت مرة أخرى في غورلانغبانغ.

هذه القصة يا أصدقائي ليست حكاية عادية. إنها شهادة على الروح الإنسانية، وتذكير بأنه حيثما توجد الإرادة، توجد طريقة. منظمة كير السودان لم تتجاوز المسافة الجسدية فحسب؛ لقد سدوا فجوة اليأس بالعزم والبراعة.

هنا يبرز الدور المحوري لعمال الاغاثة، إليكم الأبطال المجهولين الحقيقيين، وحلالي المشكلات، ورواد الطريق. في عالم نشعر فيه غالبًا وكأننا نسير على الجليد الرقيق، فإن مثل هذه القصص هي التي تمنحنا أرضية صلبة لنقف عليها. تعد ملحمة Gorlangbang بمثابة منارة للأمل، تتألق في عالم يبدو أحيانًا مظلمًا بعض الشيء. تحياتي لمنظمة كير السودان، لأنها أظهرت لنا أنه في بعض الأحيان، كل ما تحتاجه هو جمل والكثير من الشجاعة! ????✨????
هذه القصة تبرز الأزمة الحقيقية التي تواجه قطاع الصحة في السودان ومعاناة ملايين المرضى بسبب الحرب. ومعاناة عمال الإغاثة في الاستجابة لحوة المرضى المتزايدة يوما بعد يوم. وقول ميري ديفيد المدير القطري لمنظمة كير العالمين في السودان “تحتاج النساء المستضعفات إلى السفر بحرية وأمان للحصول على الخدمات الصحية دون خوف من الهجمات والنهب وجميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي”. وتعزيز ذلك الدكتور احمدي سيد ذلك من خلال واقعة حصلت له يقول فيها: “أثناء تواجدي في مركز كدينير الصحي، قمت بفحص مريضة تبلغ من العمر 22 عاماً تعاني من آلام مزمنة في أسفل البطن منذ أكثر من عامين”، “للأسف، كنت بحاجة إلى إجراء فحص بالموجات فوق الصوتية لوضع اللمسات الأخيرة على تشخيصي، وهو أمر غير متوفر في القرية. ويحتاج المريض إلى السفر إلى الفاشر للقيام بذلك. واضاف قائلا: ” في ظل النزاع ونهب حافلات الركاب، ليس من الآمن لها السفر للحصول على استشارة طبية. وقد يموت هذا المريض إذا لم يتوقف القتال فوراً”.
ويقول بيان المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية WHO حول الأزمة الصحية في السودان: “إن الأرقام القادمة من السودان مذهلة: ما يقرب من 25 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية و11 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات صحية عاجلة. وقد وقع أكثر من 20 مليون شخص الآن في مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويعاني كل طفل سابع دون سن الخامسة في السودان من سوء التغذية الحاد. يواجه حوالي 4.2 مليون امرأة وفتاة وفئة سكانية مستضعفة خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي – والذي يمكن أن يهدد حياتهم – مع محدودية أو عدم إمكانية الوصول إلى خدمات الحماية والدعم”. ويضيف: ” لا تزال العقبات الأمنية والتشغيلية تشكل تحديًا أمام تقديم الإمدادات والخدمات في الوقت المناسب، وكذلك أمام جهود مكافحة الأمراض. تم التحقق من 60 هجومًا على مرافق الرعاية الصحية منذ بداية الحرب – استهدفت المستشفيات والعيادات والمختبرات وسيارات الإسعاف والعاملين والمرضى”
وعلى الرغم من ارتفاع مستويات انعدام الأمن، والمخاطر المحدقة بالعاملين في مجال الإغاثة والعمليات الانسانية والطواقم الطبية والمتطوعين، الا انهم ظلوا يقدمون دروسا في نكران الذات وتضحيات جسام من اجل الوصول الى المرضي. فقد ظلت المنظمات الدولية والسودانية والمبادرات الاهلية والمجتمعية تعمل في رغم هذه التحديات والصعاب. خاصة منظمة الصحة العالمية متواجدة وقدمت خدماتها منذ بداية التصعيد الأخير للصراع في السودان، حيث استجابت للاحتياجات الصحية وعالجت التهديدات المتعددة للصحة، بما في ذلك أوبئة الكوليرا والحصبة وحمى الضنك والملاريا. وتعمل فرقنا بشكل وثيق مع نظرائها الوطنيين والشركاء الصحيين لتوفير الإمدادات المنقذة للحياة، واستمرارية الرعاية الصحية الأساسية، ومشورة الخبراء، والتنسيق بين العديد من الشركاء الصحيين، والتدريب، ومراقبة الأمراض، والاستجابة لتفشي المرض. ومنذ 15 أبريل/نيسان، قامت منظمة الصحة العالمية بتسليم أكثر من 260 طناً مترياً من الأدوية والإمدادات الصحية إلى السلطات الصحية الوطنية والشركاء الصحيين.
هذه الأزمة الكبرى والكارثة الإنسانية في قطاع الصحة في السودان، لا تزال موضع تجاهل إلى حد كبير من قبل المجتمع العالمي. الشعب السوداني المكلوم وصابر على الوجع يئن، مازال يسكنه العشم، و بحاجة إلى التزام ودعم أكبر من الجهات المانحة لنا حتى تتمكن المنظمات العاملة في قطاع الصحة من توسيع نطاق عملها المنقذ للحياة في السودان وتلبية الاحتياجات المتزايدة والمعقدة على أرض الواقع. يحتاج شعبنا السودان إلى تضامن العالم وتعاطفه. فاي تأخير يكلف حياة بشرية كان بالإمكان إنقاذه. فلا يمكن للعالم أن ينسى السودان. ولا يمكن للعالم أن يتخلى عن السودان.

اسماعيل هجانة
المستشار الاستراتيجي للتنمية والشؤون الإنسانية

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق