مقالات
الحرب العبثية تدخل أسبوعها الثاني بغير حسم
بقلم/ عبدالله رزق أبوسيمازة
دخلت الحرب العبثية ، التي تدور رحاها بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة ، اليوم السبت،ثاني ايام عيد الفطر المبارك،اسبوعها الثاني،دون ان تلوح بادرة حسم من قبل اي من طرفيها، ما يثير الكثير من الاستنتاجات ومن التكهنات، ومن ذلك فقدان القوة التي ابتدرت القتال في جنوب الخرطوم في الخامس والعشرين من رمضان الماضي، السيطرة على مجرى الحرب، وبالتالي القدرة على التاثير في مآلاتها.هذه الحالة من اللاحسم تنطوي، ايضا،على فرضية فشل مشروع انقلاب عسكري، مدعوم بفلول نظام المقلوع البشير، يعتمد على وضع الجيش في مواجهة مع الدعم السريع.
وقد دارت اشرس المعارك بين الطرفين في كل من الابيض والفاشر ونيالا ،حسب ناشطين، بجانب العاصمة القومية ، لكن لم تتوفر حتى الان احصائية لمحصلة قتال الايام السبعة الماضية .وقداطلقت الحرب العنان لعصابات النهب المسلح، مما ادى لتفشي عمليات الاجرام المنظم على نطاق واسع في المدن، بما فيها العاصمة ، وفي الطرق الرابطة بين العاصمة والاقاليم. وظلت تترسخ، يوما بعد اخر، في اوساط الراي العام، قناعة بان الجيش لم يكن في كامل استعداده، ولم يكن مهيأ لحرب وشيكة،وانه قد فوجيء بها، ويعتقد بان طرفا ثالثا هو الذي سعى لجر الجيش وزجه في الحرب.غير ان احتمال تطاول الحرب في الزمان، بسبب حالة اللاحسم،بما ينطوي عليه ذلك من تطاول معاناة المدنيين،في العاصمة بشكل خاص، وهو امر غير مسموح به،على اي حال ، يتقاطع مع هدنة الايام الثلاثة ، التي بدات امس الجمعة،اول ايام عيد الفطر المبارك، وما قد يرتبط بذلك من تفاوض غير مباشر بين الطرفين لانهاء الاقتتال، تحت وطأة الضغوط الرافضة للحرب والمتصاعدة من الداخل والخارج، وفي وقت تفقد فيه الحرب زخمها الاول، وتنكشف عزلتها ولاشعبيتها،اذ يلفت النظر في هذا السياق نجاح مبادرة اهلية ، وفق مارشح في السوشال ميديا، في منع الاشتباك بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة في غرب كردفان وفي الجنينة والضعين والفاشر ،وهي المناطق الاكثر هشاشة امنيا في البلاد.وهو حدث ذو دلالة هامة في تعزيز الموقف المناهض للحرب،وسط القوات المتحاربة نفسها ،الامر الذي يمكن ان يشكل نقطة تحول في مجرى الحرب وتطوراتها.وقد تحولت عمليات حرب الايام السبعة الماضية الى ما يشبه ،تكتيكيا،حرب العصابات، التي تعتمد ،في كل معركة، على قلة من المقاتلين المسلحين بالاسلحة الخفيفة،بحيث يتعذر على القوات المسلحة ،خاصة،استخدام اسلحتها الثقيلة التي تؤمن تفوقها وقدرتها على الحسم ،على نطاق واسع.
ومع ذلك فان وقوع تلك العمليات الحربية داخل المدن، يضاعف من المخاطر التي تهدد حياة المدنيين، الذين يتصاعد عدد ضحاياهم يوميا، وهو امر يتسم بحساسية فائقة لدى الراي العام العالمي.
وعلى الرغم مما ينطوي عليه تلويح بعض الدول الاجنبية ، وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية، بشان اخلاء رعاياها من السودان،من مؤشرات خطيرة لجهة تطور الحرب،فان الوقت يبدو ملائما لتكثيف نشاط الوسطاء لوقف الحرب،بتمديد الهدنة، واستئناف التفاوض بين المتحاربين لايجاد مخرج سلمي من الازمة.في هذا الاطار، يتوقع ان تتقدم الاعتبارات الانسانية ،في ظل الحصار الذي يعاني منه سكان العاصمة القومية ، البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة، وهم يتعرضون لخطر الموت بفعل القذائف المتطايرة، التي اودت بحياة المئات من الامنين داخل منازلهم، لتبرير تدخل دولى، بدات ارهاصاته في اتصال الامين العام للامم المتحدة، بقائد الدعم السريع، حيث اكد على اهمية حماية المدنيين ، وتوفير ممرات انسانية ،ليتمكنوا من الحصول علي مياه الشرب والطعام والدواء، ما يعني ان هذا الاسبوع سيكون اسبوع المدنيين بغير منازع.
ويلاحظ ان هذه الحرب ،التي تهدف ،رسميا،لسحق قوات الدعم السريع، والحاق ما يتبقى منها بالقوات المسلحة ، لم تتوظف فيها سابقة وتكتيك عملية احتواء قوات حرس الحدود ، او القضاء عليها،بذريعة جمع السلاح ودمجها في الدعم السريع، والتي انتهت ،في وقت وجيز ، باستسلام قائدها،موسى هلال، في معقله في مستريحة بشمال دارفور ، وفي وقت بدا فيه ان التاريخ يتهيأ ليعيد نفسه في شكل مسخرة.فقد جاء الدور على حميدتي،وجنده، بعد ان استنفد اغراضه، وتحول الي عبء امني، كما كان شان موسى هلال.
ربما يعود استبعاد ذلك التكتيك، الى ان قوات الدعم السريع هي التي قامت بالمهمة. وان لم يستوعب حميدتي المغزى السياسي، لامثولة تدمير موسى هلال وجنده، في السابق، فانه لن تفوت عليه سانحة الاستفادة،الان، من خبراتها العملياتية ، وتوظيفها في الحرب الجارية.
وفيما بدت القوى السياسية ،غير الموحدة،في اسبوع الحرب، عاجزة عن ابتدار موقف ملموس ومؤثر وداعم لوقف الحرب، فقد بدت السلطة الانقلابية،من جهتها،كما عبرت عنها خطابات البرهان، مضطربة ومتناقضة، مقارنة بخطابات غريمه حميدتي،وابعد ما تكون عن السيطرة على الوضع ، والاستجابة لنداءات وقف الحرب.
فمنذ يومها الاول، تفقد الحرب-كامتداد للسياسة ،بطريقة اخرى -مبررها في وجود بروسيس متفق عليه، لدمج الدعم السريع في القوات المسلحة، وفق توصيات ورشة الاصلاح الامني والعسكري، واعمال اللجنة الفنية المختصة،لذلك يبدو اللجوء لاشعال الحرب محاولة لتقويض كامل العملية السياسية،الجارية، بما فيها الاتفاق الاطاري وملحاقاته، من توصيات الورش الخمس،وقطع الطريق مجددا، امام انتقال السلطة للمدنيين، كما حدث في 25 اكتوبر 2022.
ان نزوع العسكريين “الطبيعي ” لتسوية خلافاتهم بالسلاح، وبما يتعارض مع مقتضى الديموقراطية، يحتم خروجهم من المشهد السياسي، ومن اي مسعى يستهدف استعادة المسار الانتقال الديموقراطي بقيادة مدنية ،كما تعد اللجنة الثلاثية المشرفة على العملية السياسية، ورعاتها الدوليون.
ان وقف الحرب، وقفا فوريا، دون قيد او شرط ،هو امر حتمي ولا بديل له،لانه المعادل الموضوعي لحماية المدنيين وعودتهم لممارسة حياتهم الطبيعية.