حقوق الإنسانصحة وبيئة
أزمة مياه وكهرباء جنوب الخرطوم… واتهامات لـ«الدعم السريع» باستهداف المستشفيات
محمد الأقرع:
الخرطوم ـ «القدس العربي»:
منذ أربعة أيام متواصلة، يعاني المواطنون السودانيون، في أحياء جنوب الخرطوم، من انقطاع الكهرباء والمياه، ما فاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية التي خلفتها الحرب المستعرة في السودان منذ 15 أبريل/نيسان، بين الجيش وقوات «الدعم السريع» التي تتعرض لاتهامات باستهداف المستشفيات والمنشآت الطبية.
وقد أعلن عدد من المراكز الصحية والمرافق الخدمية التوقف عن العمل بسبب انقطاع الكهرباء، وعدم توفر الوقود لتشغيل المولدات، وبالتوازي هناك أزمة مياه شرب وسط السكان الذين لجأ بعضهم إلى النيل الأبيض لتعبئة ونقل المياه بالطريقة التقليدية.
إيقاف عمل المخابز
وقال المواطن نبيل أحمد، يسكن حي الصحافة لـ «القدس العربي» إن «التيار الكهربائي مقطوع منذ أربعة أيام بشكل كامل، أيضا في الحي هناك مشكلة حقيقة في مياه الشرب وقد وصل سعر برميل المياه إلى (10) آلاف جنيه، مع صعوبة الحصول عليه».
أضاف: «انقطاع الكهرباء والمياه، أدى إلى إيقاف عمل المخابز في المنطقة ما أدى إلى ارتفاع أسعار الخبز الوارد من مناطق أخرى إلى (100) جنيه للخبزة الواحدة».
وأردف: «نعيش أوضاعا في غاية السوء، أصوات الحرب تأتيك من كل مكان، مع انقطاع الكهرباء والمياه وأزمة سيولة وندرة سلعة».
وقالت مصادر لـ«القدس العربي» إن العطل الكهربائي في البداية كان بسبب القصف العشوائي لأبراج الضغط العالي الناقلة التيار من محطة جبل أولياء حيث حدث دمار كبير، ثم جرى توصيل الخط البديل من محطة المقرن، الذي تعرض هو الآخر إلى قصف من قوات الدعم السريع».
وأفادت المصادر أن خطورة الأوضاع الأمنية وعدم توفر معدات الصيانة تسبب في استمرار انقطاع الكهرباء، مشيرة إلى أن المسؤولين في إدارة الكهرباء تواصلوا مع طرفي الاقتتال لضمان سلامة فنيي الكهرباء في مباشرة أعمال الصيانة.
يشار إلى أن العطل في الخط النقل شمل محطات الكهرباء في أحياء، الأزهري والصحافة والشجرة جبرة والكلاكلات وجبل أولياء ومناطق أخرى في ولايتي النيل الأبيض والجزيرة.
وقال والي الخرطوم المكلف، أحمد عثمان حمزة، إن حكومة الولاية ظلت تدير دولاب العمل كخلية أزمة عبر غرفة على مستوى الولاية وغرف على مستوى المحليات، وكان جل تركيزهم ينصب في الحفاظ على الأمن والخدمات في المناطق التي لم تتأثر بالعمليات خاصة المياه، وفي هذا السياق تم تشغيل كل المحطات عدا محطتي بحري وبيت المال، إذ لم يتمكن عمال هيئة المياه من الوصول إليها بسبب التردي الأمني.
وأشار في تصريح صحافي إلى «حل مشكلة شراء الكهرباء عبر التطبيقات البنكية» مشيرا إلى استقرار الخدمة بدرجة كبيرة في ولاية الخرطوم عدا المناطق التي حدث فيها إتلاف للمحولات والأسلاك.
وأعرب عن قلقه للتعديات المتواصلة على المستشفيات وتحويلها إلى ثكنات عسكرية مما حال دون وصول الكوادر الطبية وخرجت من الخدمة، مشيراً إلى توجيه بتشغيل المراكز الصحية في الأطراف حتى تتحسن الأحوال وتعود المستشفيات الموقوفة للعمل.
يذكر أن قوات «الدعم السريع» احتلت العديد من المستشفيات واحتمت بها بعد اشتداد القصف الجوي من قبل الجيش، فالتزامن مع محاصرة مستشفى أمدرمان، أعلن مستشفى الولادة، أمس الخميس، تعرضه لهجوم من قبل أفراد يتبعون لقوات «الدعم السريع» حيث قاموا بتهديد الأفراد الموجودين بالمكان وكسر الخزينة ونهب الأموال التي تقدر بنحو 20 مليون جنيه سوداني.
وقالت إدارة المستشفى في بيان لها إن «قوات الدعم السريع طردت العاملين وأدخلت العربات المقاتلة داخل فناء المشفى الذي تحول إلى ثكنة عسكرية بالكامل».
مستشفى حاج الصافي في الخرطوم بحري هو الآخر شهد أحداثا مماثلة مما أدى إلى إيقاف العمل فيه، ونشر تحذير للمواطنين بأخذ الحيطة والحذر، وعدم الاقتراب منه لأنه أصبح «منطقة اشتباك مسلحة».
احتلال المستشفيات
وتحتل قوات «الدعم السريع» حتى الآن مستشفى الساحة ومستشفى الشرطة شرقي الخرطوم ومستشفى شرق النيل في حي الجريف، كما اقتحمت مستشفى الخرطوم ومعمل إستاك بالإضافة إلى حاج الصافي بحري، وعدد من المستشفيات الأخرى.
كذلك أقامت قواته ارتكازاً عسكرياً قبالة الصندوق القومي للإمدادات الطبية في حي السجانة في الخرطوم، مما أدى إلى إغلاق الصيدلية الرئيسية في العاصمة، وسط مخاوف من وقوع كارثة دوائية وبيئية في حال نشوب اشتباك مسلحة في المكان الذي يحوي أكبر مستودع دوائي في البلاد.
وفي السياق حذرت رابطة الأطباء الاشتراكيين «راش» من «تحول المؤسسات العلاجية وما حولها إلى مسرح لأي نزاع مسلح ومواجهات عسكرية وإدخال المدنيين كطرف في الصراع». وشددت على «ضرورة عدم المساس بالكوادر الصحية والأطباء وطواقم وعربات الإسعاف».
فيما انتقد تجمع الصيادلة السودانيين منع «الدعم السريع» المواطنين من الوصول لصيدلية الإمدادات الطبية، لافتاً إلى أن ذلك «يعد سلوكا إجراميا ضد المواطنين العزل وحقهم في الحياة والخدمة الصحية وهو انتهاك متكرر للمواثيق والأعراف الدولية».
وبيّن أن «إغلاق صيدلية الإمدادات الطبية المركزية يعتبر بمثابة كارثة صحية لما تقدمه من خدمات متمثلة في توفير الأدوية المنقذه للحياة وأدوية الضغط والسكر والمستهلكات والأجهزة الطبية الأخرى خصوصاً في هكذا وضع يتسم بشح الإمداد وصعوبة الوصول إليه».
واعتبر أن «ما قامت به قوات الدعم السريع يعد انتهاكاً وحشيا لحق المرضى في الحصول على دوائهم مما يصنف بمثابة حكم إعدام لهم ويرقى ليكون ضمن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية».
وانتقدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» استخدام الأسلحة الثقيلة في المناطق ذات الكثافة السكنية المرتفعة في السودان.
وقال محمد عثمان الخبير السوداني في المنطقة في تقرير صدر أمس « الأطراف المتنازعة في السودان تظهر تجاهلا لحياة المدنيين من خلال استخدام أسلحة غير دقيقة في المناطق الحضرية المتكظة بالسكان».
ودعت المنظمة مجلس الأمن الدولي لبذل المزيد لضمان سلامة المواطنين ومحاسبة المسؤولين عن الصراع.
ووفقا لها ولشهود عيان في الخرطوم فإنه تم نصب مدافع مضادة للطائرات وأطلقت النار في محيط المباني السكنية.