Uncategorizedمنوعات وفنون
شادن القردود.. المحبة عسل اللسان
بقلم/ مصعب الصاوي:
شق علي وعلى قلب كل محب للفن حفي بالتراث رحيل الفنانة الصاعدة والواعدة بالكثير شادن، وكنت قد التقيتها في زمان بعيد صحبة الراحل الكبير طيب الذكر محمد طه القدال، وقد كان داعما لمشروعها الفني راعيا ومستشارا تستأنس به. والقدال كان ينشط حينها في بسط مشروع كبير للتعريف بفنون السودان وثقافاته وموروثاته القديم منها والمعاصر وكان منتدى دال الثقافي نافذة تعنى بهكذا مشاريع.
الحقيقة أن شادن كانت في حالة بحث مستمر عن هوية فنية تخصها وتجنبها التكرار والتطابق مع تجارب الآخرين أيا كانت قيمة تجاربهم روادا أو معاصرين وعلى سبيل المثال فقد طلبت مني بحضور القدال أشعارا كردفانية اختارها لها فقدمت لها نصين شعريين لصديقنا الشاعر والكاتب المسرحي إبراهيم آدم سلوم، يقيم الآن بالولايات المتحدة الأمريكية وقد أعجبت بنصوصه جداً.
بدأت شادن بتأسيس فرقة موسيقية مميزة جدا وهي من أبرع المجموعات الفنية في تنفيذ اللون الكردفاني وهو لون يجمع بين الخماسي والنفس الشرقي في تصريف اللحون والأنغام وقد اهتمت بتجويد عملها عبر بروفات مكثفة في ستوديوهات التسجيل الصوتي أو في صالة دار الخرطوم جنوب، واستطاعت هذه المجموعة أن تنفذ معها معظم أعمالها خاصة سهرتها الشهيرة بقناة النيل الأزرق التي منحتها شارة الظهور والقبول جاءت معنونة ب ( أبالة وسيارة ) وشارك في إنتاج هذه السهرة المميزة فريق محترف ومبدع ( خالد بابكر / ياسر عركي / نسرين النمر ).
انقسمت السهرة إلى جزئين، الجزء الأول حوار مع شادن نفسها بجانب أغاني مباشرة صحبة الاوركسترا والجزء الثاني أغاني مصورة مثل (سكر حبيبة) و(البل عملن جوطة) وقد تم تصويرها في شمال وغربي كردفان حيث مناطق الأبالة الطبيعية والحقيقة التي لامراء فيها أن هذه السهرة استطاعت تقديم شادن وجها وعقلا مثقفا وناضجا وفتحت أمامها أبوابا واسعة منها مشروعها الأساسي (السلام عبر الفنون والتراث) بشراكة مع عدد من المنظمات الوطنية والدولية ووصلت عبر هذا المشروع لمعظم مناطق النزاعات المسلحة والصراع بحثا عن الاستقرار والسلام لمناطق الصراع. وقد كلفتها هذه الجهود كثير المعاناة وعظيم الجهد والرهق. ومن مفارقات الأقدار أن من بذلت حياتها تدعو للسلام وتنبذ العنف أن تصعد روحها شهيدة لرسالة السلام في أتون الحرب ولله الأمر من قبل ومن بعد.
المشروع الثاني الذي كرست شادن نفسها لإنجازه ولم تمهلها يد المنون هو إصدار البوم (جراري) عبارة عن مختارات تاريخية لأغاني جراري قديمة مثل أغنية ( أم بادر ) وأغنية ( سنك فضة ) وأغنية ( الباشا في ديوانها ) واقترحت عليها عرض هذه النصوص لتحقيقها وضبط كلماتها لمجموعة من الباحثين مثل صديقنا الحلاج بالأبيض والسفير الدكتور خالد فرح والباحث والناقد الصيرفي خالد الشيخ، ولكن يد المنون كانت أسرع.
رحم الله الفنانة شادن القردود فقد كانت رسولا للسلام والمحبة والمحبة كما يقول أهلنا في كردفان عسل اللسان لأن المحب لايصدر عنه إلا كل جميل، وقد أثبتت تجربة شادن على قصرها ونضارتها ووهجها أن في مجالات الفنون (الطريق لمن صدق وليس لمن سبق).
تقبلها الله القبول الحسن والعزاء موصول لأهلها وعشيرتها وعشاق فنها وعارفي فضلها داخل الوطن وخارجه وليحفظ الله وطننا وأهلنا وأحبابنا.