إسماعيل جبريل تيسو:
يقول محدثي إن إصرار ميليشيا الدعم السريع على دخول سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة العسكرية، نابع من قناعة راسخة لدى ميليشيا الجنجويد بأن سلاح المدرعات يحتضن قيادات وكوادر الحركة الإسلامية من الكيزان وفلول نظام المؤتمر الوطني، وإن الاستيلاء على سلاح المدرعات، يغسل العار ويحفظ ما تبقى من ماء وجه ميليشيا الدعم السريع الذي أُريق عندما رفضت قيادة سلاح المدرعات قبل أكثر من عامين وجود قائدها محمد حمدان دقلو في منطقة الشجرة العسكرية، وقامت بطرده بعد أن كان يحاول وضع قواتٍ له في هذه المنطقة الاستراتيجية مثل ما فعل في عدة مواقع أخرى في العاصمة الخرطوم.
إذن فقد أسرًّها حميدتي في نفسه، وحاول جاهداً منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل من العام 2023م، أن يرمي بفلزات قواته وعتادها الحربي، من أجل تلبية أشواقه باجتياح سلاح المدرعات، ولكن في كل مرة تعود هذه الميليشيا بخفي حنين، مخلفةً وراءها المئات من أفرادها ما بين جثة هامدة ومحروقة، أو جرحى غارقين في دمائهم ومشدوهين من هول ما شاهدوه في أرض المعركة جراء تضحية وبسالة أشاوس سلاح المدرعات الذين ما فتئوا يتفانون ويتفننون في الذود عن الحياض ويخرجون للتصدي للميليشيا، فيعودون محمًّلين بالغنائم من أسلحة ومعدات،، وما رميتَ إذ رميتَ، ولكن الله رمى.
إن الحديث عن وجود كوادر من الحركة الإسلامية، تساند وتدعم وتحارب مع الجيش في سلاح المدرعات، صحيحٌ وتؤكده ( كتيبة البراء بن مالك ) بنشرها مقاطع فيديو لمشاركتها في هذه الحرب، وإعلانها استشهاد عدد من منسوبيها خلال هذه المعارك القتالية، ولكن في المقابل نجد أن هذه الحرب قد استقطبت جمهوراً كبيراً من فئات الشعب السوداني المختلفة الذين تدافعوا خفافاً وثقالا، خاصة عقب إعلان القائد العام للجيش السوداني فتح الباب واسعاً أمام كل قادر على حمل السلاح، لحماية أسرته وممتلكاته، عقب استباحة ميليشيا الدعم السريع منازل المواطنين، وإعمالها فيهم قتلاً واغتصاباً وتشريداً ونهباً.
قطعاً حاول قائد ميليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو تعليق شماعة حماقته في إشعال نار الحرب، بحماية الديمقراطية ومحاربة الكيزان وفلول النظام السابق، الذين قال إنهم يرفضون الديمقراطية ليخلو لهم وجه العـودة إلى السلطة، ونسي ( وَلْ دقلو) أو تناسى عمداً أن الدعم السريع مولودٌ شرعي للحركة الإسلامية التي حكمت البلاد ثلاثين عاماً، كان حميدتي في فترةٍ منها، حامياً لحكم الكيزان وذراعاً طويلة للرئيس المعزول عمر البشير في إقليم دارفور، فليس بخافٍ على الجميع ما فعلته ميليشيا الجنجويد في هذا الإقليم من فظائع، بإذكائها نار الفتنة وإضرام حريق العنف، واغتصاب النساء وإعمال الإبادة الجماعية بممارسة القتل على أساس عرقي، حتى تم وضع الرئيس البشير وآخرين من قيادات النظام السابق ضمن لائحة المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية بسبب هذه الفظائع التي ارتكبتها ميليشيا الجنجويد في دارفور.
لقد ظلت شماعة الكيزان وفلول النظام السابق تصدع رؤوسنا منذ أن جلس دكتور عبد الله حمدوك على كراسي رئاسة أول حكومة لثورة ديسمبر المجيدة، حيث عمد القحاتة على تعليق كل ملامح وصور الفشل الذي لازم حكومة حمدوك على هذه الشماعة، رغم أن أبرز قيادات الكيزان ظلوا في السجون لأكثر من ثلاث سنوات دون أن تفلح حكومة عبد الله حمدوك في محاكمتهم ومعاقبتهم على الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب السوداني طوال ثلاثين عاماً! وهاهم القحاتة وخلال فترة الحرب يعودون من جديد للعزف على ذات الإسطوانة المشروخة باتهام الكيزان وفلول النظام السابق بالوقوف وراء إشعال نار القتال وإجبار القوات المسلحة على خوض غمارها حتى يعود الكيزان وفلول النظام السابق عبر بوابة هذه الحرب ( العبثية) إلى السلطة وحكم البلاد.
إن تعليق القحاتة الإخفاقات التي لازمت فترة حكمهم خلال الأربع سنوات الماضية على شماعة الكيزان وفلول النظام السابق، إنما يعبِّر عن عجز وقصور ومحاولة مع سبق الإصرار والترصد للتهرب من مسؤولية الفشل، وهو ذات النهج الذي التزمه الكيزان أنفسهم بتعليق فشلهم في العقدين الأخيرين من حكمهم على شماعة العقوبات الأمريكية وحصار السودان وتداعيات المحكمة الجنائية الدولية، وهي جميعها إسطوانات مشروخة، تعكس حالة انسداد، وتجميد عقلية، وفشل في وضع خطط وبرامج وسياسات تُعالج الأزمات التي ظلت تلاحق البلاد.
قطعاً تمثل هذه الحرب أكبر كارثة أمنية وسياسية ضربت السودان منذ استقلاله في العام 1956م، باعتبار أنها استهدفت العاصمة قلب السودان النابض، وأعملت فيها جرائم وفظائع ودماراً يتحدث عن نفسه، ومع ذلك دعونا نستفيد من حرب الجنجويد، لنبني (وطننا البنحلم بيهو يوماتي ) بعيداً عن العنجهية ومحاولات إقصاء الأنا للآخر، فلابد من بسط ( بروش وسباتة ) التصالح والجلوس عليها بتصافي وتسامح لنرى السودان بمنظار الواقعية والتأمل في تفاصيله الجميلة والمشوهة دون أن ندفن رؤسنا في الرمال، فمواجهة الواقع والالتصاق به هي خطوة مهمة على طريق إيجاد حلول جذرية لأزمتنا السودانية، نعم تأذينا من الحرب اللعينة ولكن دعونا نستفيد منها في إصلاح حالنا، لينصلح حال بلدنا، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم.