منوعات وفنون

يكفيني هذا يكفيني

معتصم الشعدينابي:

الخوف من مسؤولية الحرف يتزايد عندي في وقت ينتظر أن يقل فيه التوتر وتنساب  الحروف مع تراكم الخبرات وتزايد الاحتكاك، ولا أريد أن أقول (تقدم العمر)، وبدلا من اعتياد الكتابة يتضخم الخوف لدرجة أن احداثا مهمة اتجاهلها وتسقط بالتقادم وليس ما نٌسي أهم مماكتب ولكن قد تتقدم أشياء وتتأخر أسباب فاخترق الهواجس واتسور حاجزا ينتبه في أنه الكسل وأعارك الموضوع.

ولابد من الاعتراف بأن الشجن يستل الحروف من الذاكرة ويقاوم هذه الجزيئات المخيفة إلى مدى.
ولكن لكي أكون منصفا قليلا لنفسي فليس الكسل والخوف هما فقط كل الأسباب وإنما لتفاصيل الأخبار والماجريات اليومية حيز مهم من الوقت والجهد يضيق مساحات التعبير كتابة، كما أنه لا يمكن إسقاط أو تجاهل آثار الحرب والنزوح على الروح.

وكما أن الكتابة بصدق قد تظهر بعض أو كل ما لا يجب أن يظهر من ضعف أو قوة في مختلف الجوانب، فالكتابة الكذابة لا تلامس الدواخل ولن تترك أثرا إلا بمقدار نفاق القارئ.

هذه المقدمة الطويلة بمثابة اعتذار لأهلي في الدامر عن عدم تغطية الكثير من الأحداث المهمة التي شهدتها خلال الأسابيع الماضية، ويا لهذا الشعور بالخوف الذي يجعلك تلف وتدور حول المقدمة وتتجنب قلب الموضوع وتعجز حتى عن الربط بين الإثنين.

بكل صدق وتلقائية قابل الدامريون مصطفى مضوي، فنان الشجن المحبب، واستمدوا صدقهم من تلقائيته وبساطته فنظموا له حفل تكريم ليس فيه جنيهات ولادراهم لكنه كان تقديرا لعطاء غير محدود القيمة .

ومنذ نحو 50 عاما تخللها غياب لسنوات، ظل مصطفى مضوي يغني نفس الأغنيات بذات المذاق لم يطالبه جمهوره بالجديد والذي إن أتى به أعاده الناس إلى القديم الأليم.

توارثت الأجيال تذوق أغنياته منذ أيام حفلات الأعراس المباشرة وتسجيلات الكاسيت، وظل الجد يبكي منديله المفقود ليرث من بعده إبنه ثم حفيده البكاء على منديل لم تره أعينهم ولا يعرفون أنه مطرز بخيوط الحب، فقط كل مايهمهم أنه شئ عزيز مفقود ويجب أن يبكوه حتى وإن كانوا على يقين إنه لن يعود (منديلي راح مني).

يا من أهديت لها عمري ماذا بيديك لتهديني؟ ظل هذا السؤال الحزين يتردد بلا إجابة منذ عشرات السنين، وإن كانت إجابته محسومة في كل قصة وغصة.

لم تحدثنا المناهج الدراسية عن كلام الحمام وإنما حدثتنا عن الحمام الزاجل والحمام ساعي البريد وحمام السلام، ولكن (أول مرة في التاريخ أشوف لي حمامة تتكلم) بلسان مصطفى مضوي وكم كنت اندهش لهذه (الحمامة النضامة) وأمني نفسي برؤيتها ولم أكن أتخيل أنني سأفهم يوما لغة الحمام.

منتدى الدامر الثقافي الاجتماعي، بنادي الشمالية خلق للجميع فرصة -رغم الراهن المر- للتنفس بالدموع والضلوع كما قيل وبالطرب المغلف بالشجن والوعد القديم.

المنتدى الذي ذُكرت قصة ميلاده والتي بدأت بمثنى وثلاث ورباع يجب أن يستمر بجهود الجميع ويتطور ليكون بوابة الدخول والخروج من…. وإلى …..

لهفة وحكاوي وذكريات سلطت عليها ليلة التكريم الأضواء، لتعود إلى مكامنها في الظلام مع الإطفاء القسري للأنوار بسبب انقطاع التيار مع انتهاء مراسم التكريم.

سأعود لفعاليات وأحداث دامراوية ولكن الآن، يكفيني هذا يكفيني.

 

 

 

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق