إعلانات

محطات وذكريات اندثرت

د.معاوية عبيد:

تعتبر الطرق شريان النشاط الاقتصادي لانها تربط مناطق الانتاج بمناطق الاستهلاك ومناطق الانتاج بمناطق التصدير وطرق النقل تعد من الظواهر الجغرافية ذات اهمية في حياة البشر وعرفها الانسان وسلكها في تجواله وغزواته ورحلاته التجارية وللطرق دور مكمل للنشاط الاقتصادي ، لذا تسهم حركة النقل في التنمية سواء كانت زراعيا ام صناعيا او اجتماعيا ، و المحطات علي الطرق السفرية ايضا لها دور في الاقتصاد و لها قصص وحكايات تروي وتظل عالقة بالذاكرة ، فالقطار المره ومر فيهو حبيبي ، كانت لنا فيه ذكريات جميلة ومحطاته كانت لها وقع خاص ، كنا نحفظها محطة محطة ، أيضا البصات السفرية قبل أن تعبد الطرق كانت تأخذ ايام و ليالي وكان الناس يفترشون الأرض و يلتحفون السماء و لديهم محطات يقفون عندها لأخذ قسط من الراحة ، كانت هنالك الباخرة النيلية علي امتداد النيل كانت واحدة من وسائل السفر ونقل البضائع من وادى حلفا شمالاً الي نمولي جنوباً ، لديها محطات ( موردة ) تقف عندها هذه الباخرة و قد نشأت مدن في هذه المحطات ( الموردة ) ، كان للسفر نكهة خاصة و يستمتع الناس بها و قد تغنوا في اسفارهم وتناولوا الرحلة في اشعارهم، فمنهم من تغني بسفر الحبيب و فراقه ومنهم من تغني بسفر وفراق الاهل و الديار ومنهم من تغني بالمكان النزل فيه لاخذ الراحة ( اللوري حلي بي دلاني في الودى ) وفي اشعارهم كانوا يذكرون هذه المحطات التي توقف عندها المحبوب او الوسيلة التي تنقله و من اشهر هذه الأشعار ( من الاسكلا و حلا …) ، هذه المحطات سواء محطات القطار أو محطات البصات السفرية أو محطات الباخرة النيلية كانت تشكل بعداً تنموياً و اقتصادياً كبيراً ، و تشكل سوقاً رائجياُ وانتفع كثيراً من الناس بهذه المحطات في بيع الزاد ومحاصيل المنطقة وخيراتها للعابرين ( قينجة شندي ، حنة الدامر ) وكان الناس يشترونها بغرض الذكرى ، و من المحطات التي اذكرها و مررت بها انا شخصياً محطة ود ابشر تقع في منطقة العكد شمال مدينة الدامر حدثني ابن مؤسسها وهو الذي يديرها الآن(تأسست في اربعينيات القرن الماضي ، ونسبة لموقعها الاستراتيجي لانها تقع جنوب كبري الدامر عطبرة القديم وشرق معدية ام الطيور الدامر ، كانت العربات السفرية الكبيرة لا تستطيع عبور كبري الحديد لصغر حجمه فكانت البضائع و الركاب ينزلون في هذه المحطة و تأتي عربات صغيرة تقلهم الي عطبرة أو الي الضفة الغربية ، أيضا العربات التي تريد أن تعبر النيل عبر المعدية و هي في طريقها الي مروي ودنقلا أيضا كانت تنتظر دورها في محطة ود ابشر حتي يأتي دورها في المعدية وتقطع الي الضفة الغربية فكانت هذه المحطة مصدر دخل لكثير من الأسر لكن بعد قيام كبري أم الطيور الدامر و طريق التحدي ونقل مصنع الاسمنت الي الضفة الغربية نقول ان حركتها التجارة توقفت ) ، أيضا من المحطات محطة ( كافتيريا ارداب بمنطقة قدو ) علي طريق التحدي أيضا كانت البصات السفرية تقف عندها،ايضا محطة تلك المرأة الصالحة وسمية باسمها ( ام الحسن ) علي طريق شريان الشمال، كل هذه المحطات التي ذكرتها و التي لم اذكرها تمثل مأوى لكل عابري السبيل ( وفندق للمبيت و المقيل ) و كانت مضيفة خاصة في شهر رمضان وتقدم فيها وجبة الافطار مجانا للمسافرين ( و اللي ما عندو برضو يأكل ) ، هنالك محطات وسندات القطار كانت تشكل حركة تجارية ضخمة ، جاءت التنمية و الطرق المعبدة والكباري التي زادت من اقتصاد و تنمية الدولة و نشطة الحركة التجارية بين المدن ، لكن تلك المحطات القديمة منها ما اندثر و اندثر اصحابها بعامل الزمن أو تحويل الطرق الي مسار آخر أو عدم التوقف ، هنالك بعض المحطات ما زالت صامدة تصارع تقلبات الحياة حيث قلت أو تكاد تنعدم الحركة التجارية فيها ، وهنالك محطات نشأت جديدة في مناطق اخري و بدأت وسائل الحركة تقف عندها ، لكنها لا تشكل مسرحاً للروايات و القصص كما سابقتها ، الطرق المعبدة عماد التنمية و الاقتصاد في المنطقة لكن في المقابل هنالك عماد اقتصاد آخر قد انكسر ، رغم وعورة الطرق في الزمن السابق و المعاناة التي يجدها المسافر لكن هنالك كثيرة من الأحداث و الذكريات الجميلة تظل عالقة بالذهن ، كما قال البروف عبد الله الطيب في بعض مقالاته (والمسافر ليس له إلا صدى الطريق و الزميل ) ، اصبح السفر اليوم برهة أو لحظات من غير محطات ترسم فيها الذكريات.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق