د.معاوية عبيد:
يعود التخطيط العمراني إلى العصور القديمة،عندما بدأت الحضارات في تطوير مدن منظمة، أما في العصور الوسطى بدأت المدن في إعطاء الأولوية للدفاع والتجارة ، حيث تم بناء التحصينات والاسوار للحماية من الغزاة وتشجيع التجار في البقاء وممارسة تجارتهم بسبب الأساليب الجديدة التي استخدموها لحماية المدن ، و في حلول القرن السادس عشر بدأ عصر النهضة في إحداث تركيز متجدد على التخطيط المعماري، مع إدخال مفاهيم جديدة مثل أسلوب العمارة الباروكي وتطوير الساحات العامة ، خلال عصر التنوير ايضا بدأت المدن في التركيز أكثر على الجماليات والفخر المدني ، وتطوير المتنزهات والحدائق وتوسيع حدود المدينة ، في القرن التاسع عشر بدأ التخطيط الحضري الحديث في الظهور ، مع إدخال قوانين تقسيم المناطق الحضرية ، وتطوير مبادرات الصحة العامة ، وإنشاء أنظمة النقل العام ، في القرن العشرين ، بدأت المدن في التركيز على الاستدامة ، مع تطوير المساحات الخضراء ، وإدخال ممارسات البناء الموفرة للطاقة ، وإنشاء مشاريع التجديد الحضري مع التركيز على استدامة المدن ، و إدخال مصادر الطاقة المتجددة ، وتطوير تكنولوجيا المدن الذكية ، واستكشاف التحول الرقمي في التخطيط ، لذلك اصبح التخطيط العمراني من اساسيات نهضة المدن الحديثة وتطورها، عواصم وحواضر الولايات من الاولوية بمكان وضع خطة عمرانية طويلة الأمد تتحسب لكل الظروف ، النمو السكاني ، التنمية العمرانية و الصناعية ، لذلك تلجأ الدول للتخطيط المستقبلي ، المدروس الذي يراعي حركة المرور ،تعاقبت العديد من الحكومات علي ولاية نهر النيل ونسبة لموقع هذه الولاية الجغرافي وموقع حاضرتها الدامر الجغرافي ، ولأن الولاية مقبلة علي نهضة صناعية واقتصادية كبري ، كانت هنالك خطط مدروسة وقومية وشاملة راعت النمو السكاني والعمراني وحركة المرور ، كان التفكير الجاد في ايجاد موقع لإنشأ مجمع لكل رئاسات المؤسسات ( مدينة إدارية ) بحاضرة الولاية الدامر ، ولما كانت المنطقة الشرقية للمدينة بها مساحة كبيرة صممت تلك المنطقة لأن تكون المجمع ووضع حجر الاساس من قبل رئيس الجمهورية السابق المشير عمر البشير ، حيث يقف جنوباً منها عند مدخل المدينة مبني مجلس تشريعي الولاية شامخاً و بدأ العمل في مستشفي الشهيد عمر البشير والعديد من المباني التي تعطي معني حاضرة الولاية، لكن للأسف قتل هذا المشروع، وأصبحت هذه المباني ( مستشفي الشهيد عمر الشيخ البشير ومجلس تشريعي الولاية وغيرها ) تسكنها الكلاب الضالة و أصبحت مرتعا للصوص ، وبعد هذه الحرب أصبحت ملجأ للفارين من جحيم الحرب و آخرها اتخذتها قوات مناوي سكن لها عندما زارت الولاية ، رغم أن الولاية بها مؤسسات و وزارات مكاتبها أضيق من خرم ابرة و لا تصلح أن تكون دكان دعك من وزارة، مشروع المدينة الإدارية بحاضرة الولاية الدامر ، هو من أنجح المشروعات ، أين هو الآن ؟ وكثير من المؤسسات و المباني التي قبرت دون أن ترى النور أولها رئاسة جامعة وادي النيل التي تحولت بقدرة قادر الي موقع آخر و غيرها كثر !!
الولاية كانت البوابة الأولي للوافدين الفارين من جحيم الحرب ، وأصبحت بوابة لرؤوس الأموال التي تدمرت مواقعها و آلياتها ومصانعها بالعاصمة القومية و بدأت تبحث عن ملاذ آمن ايضاً ، ومواقع جديدة لتفعيل تجارتها وصناعتها ، ما حدث للخرطوم هو تنبيه لولاة الأمر من عدم وضع البيض في سلة واحدة ، و التفكير الاستراتيجي المستقبلي الذي ذكره البروفيسور ابوصالح الخبير الاستراتيجي ، والذي وضع خطط استراتيجية لكثير من دول العالم ، فمن ضمن ما سمعناه منه في محاضراته القيمة التي ألقاها علينا ( يجب أن يكون هنالك مصنع للالبان في بابنوسة ، ومصنع لتعليب الاسماك في ولاية البحر الأحمر ) وغيرها اي توزيع المباني حسب الموارد لكن للاسف ما زالت الولايات تضع البيض في سلة واحدة ، لماذا ؟ وهذا ان دل انما يدل علي عدم وجود خطة استراتيجية واضحة و هذا ما اكده ابوصالح في احد حواراته لاحد الصحف عندما كان مسؤل التخطيط الاستراتيجي بولاية الخرطوم حيث ذكر ابو صالح ، واحدة من مشاكل السودان الأساسية منذ العام (56) لم نمتلك رؤية وطنية تعبر عن حلم وطني سوداني يتضمن ترتيبات للتعامل مع الظروف والتعقيدات الداخلية والإقليمية والخارجية والمستقبلية، ابتداء من النفس البشرية التي تميل إلى الفساد وانتهاءً بمشاكل المستقبل كقضايا البلاد، ولكن ما حدث هو أن خرجت الفكرة الوطنية البريطانية ولم تحل مكانها الوطنية السودانية، بالتالي لم ندرك مصالحنا وغايتنا، هذه مهمة التخطيط الاستراتيجي بالتحديد .واذا قلنا أن هنالك وزارات أو إدارات للتخطيط الاستراتيجي بالولايات لا يوجد قانون يحمي هذه الخطط الاستراتيجية ، و نجد وجود عقبات مثل العقلية التقليدية البيروقراطية للخدمة المدنية و المحاباة والجهوية اضاعوا قيم التخطيط و التخطيط الاستراتيجي في الولايات بصورة عامة وفي حواضرها بصورة خاصة ، و القانون وحده لا يحمي تنفيذ الخطط الاستراتيجية ، لابد أن تكون الاستراتيجية ناضجة تعبر عن مصالح الناس حيث الضمان الأكبر، وكونها قابلة للتطبيق فهذا أيضا ضمان، بالإضافة إلى أنها محمية بقيم العدالة والمساواة و الشفافية واشراك المجتمع وتطوير سلوك الناس وتعيين اصحاب الخبرات وحملة الشهادات العليا دون محاباة في المؤسسات الحكومية ، أيضا عدم اللجوء للحلول الوقتية ، يجب أن تكون هنالك خطط طويلة المدي ، كل هذه العوامل تعمل علي حماية الخطط الاستراتيجية بالبلاد ، الآن الكرة في ملعب ولاة الولايات و مسؤلي الاستثمار لانشأ مؤسسات حكومية بمواصفات و ليس جهويات ، وتوزيع خارطة عادلة للاستثمار في ولاياتهم و استقطاب روؤس الأموال التي هاجر معظمها للخارج جراء السياسات المجحفة و الطمع و عدم الخبرة لهذة الإدارات، وللأسف هنالك بعض المسؤولين أخذتهم الجهوية بالاثم بأن يقام المشروع في مدينة معينة و إلا فلا تصديق ، أيضا كثير من المؤسسات الاتحادية التي نقلت إدارتها للولايات و عدد من المؤسسات تم نقلها من مواقعها الي مواقع أخري حسب مزاج ورؤية المسؤول الأول في المؤسسة دون التقيد بالتخطيط الذي وضع مسبقاً في الولاية كان هنالك انحياز واضح من الوزراء و المدراء التنفيذين وغيرهم من المسؤولين لبعض المدن ، وهذه عنصرية وجهوية من نوع آخر ، لماذا لا يتم توزيع هذه المشاريع بصورة عادلة ؟ نحن الآن نتحدث عن أن الحرب عنصرية و جهوية لكن ما يحدث من خدمات وتنمية في الولايات يحتاج لمراجعة ويجب تعيين القوي الأمين علي الإدارات و الوزارات وليس بالترضيات و الجهويات ، ووضع المباني بصورة عادلة حتى لا تضيع المعاني.