مقالات

إلى “زهرة” حبيبتي

علي عسكوري:

أعلم أنك ستولدين في ١٥ أبريل ٢١٢٣.. سيكون حينها قد مر قرن على حرب الكرامة، سيكون النسيان قد طوانا وطوى كذلك كثيرا مما كتبنا.
ستكبري لتخرجي وتلعبي مع اقرانك مطمئنين في شوارع وازقة القرية. ستأتي جدتكم لتحكي لكم “عن ما عانته جدتها تحت مليشيا الجنجويد التي هجمت على القرية وقتلت الشباب والرجال واغتصبت الفتيات وشردت الكثيرين ثم احرقتها.

ستخبركم أن هذه البيوت التى تعيشون فيها ليست هي قرية أسلافكم القديمة التي دمرها الجنجويد  فقد أعاد أجدادكم بناء القرية بعد هزيمة الجنجويد و بعد رجوعهم من التشرد.

لقد كان اغلبهم صغارا ويتامى فقدوا كل شيء مات أغلبهم من الإهمال ومن عاش فاته قطار التعليم و عمل الأطفال الكبار لإعاشة اخوتهم الصغار وكابدوا وعانوا ما عانوا من مشقة لإعادة الحياة للقرية.

لقد كان لجد والدك حسب ما اخبرتني جدتى منزلا وصالونا كبيرا فوق التلة يجتمع فيه أهل القرية وتقام فيه المناسبات ولكن لم يعاد بنائه لأن من بقي من أسرته لم يعد.

وما ذلك التل الذى تلعبون فوقه إلا رمال تجمعت وغطت حطام البيت مع طول السنين، لن يبنى ذلك الصالون مرة أخرى ولن يعود بعد أن تفرق أجدادك في بقاع السودان وخارجه ولم يعد لأحفادهم القليلين صلة بالقرية وتقاسم أقربائهم أرضهم وأصبحت ملكا لهم”.

أعلم أن عيونك وعيون رفاقك ستلمع بالدهشة..! وستسألين: ومن هم الجنجويد يا “حبوبة”؟ ولماذا خربوا القرية وقتلوا الناس! هل أخذ أحد لعباتهم! حبوبة … انا اصلي ما شلت منهم أي لعبة! ديل هم براهم.. براهم..! أنا اصلي ما مشيت حلتهم.. هي حلتهم وين ما عارفاها..! .

نعم لم يأخذ أحد قط “لعباتهم” لكنهم اخذوا العاب جميع الأطفال وكسروها وبعثروها، وفعلوا ما فعلوا بالناس دون سبب! انه العدوان الغاشم على الأبرياء.

ستنهض (حبوبتك) لتترككم… ثم تلتفت بعد خطوتين وبعد أن مسحت دموعها لترد: ستعلمين عندما تكبري! ستقولين لها: “انا كبرت يا حبوبة! ” انا ولا دايرة اعرفهم… لعباتي كتاااااار…”!

ستمضي جدتك في طريقها
تحبس آهاتها وحشرجات الغصة والأسى في داخلها.

تذكري يا صيغرتي عندما تكبري أن أسلافك لم يخنعوا ولم ينكسروا أمام إرهاب الجنجويد الذين عاسوا في الأرض فسادا. وعندما تحتفلون بذكرى معركة الكرامة تذكروا الشهداء من الرجال الذين رووا هذه الأرض بدمائهم الطاهرة حتى يكون عندك ” لعبات كتااااار” تعلبين بها في طمأنينة مع اقرانك ولم يجد الفرصة ليشتري لعبات لأطفاله…! تذكروا أن هنالك من دفع روحه لتعيشوا انتم في أرضكم بأمان وبسلامة تلعبون وتقفزون من تل لآخر ومن حائط لكرسي ومن شباك لباب، تذهبون للمزارع وتعودون سالمين مطمئنين… تذكري يا صغيرتي لقد دفع أسلافك ثمنا باهظا جدا… لتعيشوا انتم في سلام.

تذكري يا عزيزتي أن الإنسان بدون وطن إنسان منبت لاقيمة له ولا أصل ولا فصل، غزال تائه في غابة تتربص به الكواسر وعليه أن يقبل بالكثير ليعيش مهيض الجناح.

تذكري ذلك دائما يا صغيرتي وعضوا على الأرض بالنواجز واقبضوا عليها ب(الشباطين)! فإن ذهب الوطن ذهب كل شىء.

والآن وقد كبرت لتعرفي من كان الجنجويد، عليكم الا تفعلوا ما فعلنا حتى لا يأتيكم جنجويد يدمر حياة اطفالك ويسرق لعبات طفلتك ويشردكم في الأرض.
فالجنجويد لا يهبط من السماء إنما يخرج من السبهللية والتساهل والطبطبة والمجاملات في ما لا يمكن المجاملة فيه اطلاقا.

لقد خرج الجنجويد من بين ظهرانينا فاذاقونا الويل، تذكري دموع “حبوبتك” وهى تبكى على أسلافها بعد مائة عام. تذكري القرية التى دمرت وأعيد بنائها وصالون جد والدك الذي اندثرت أطلاله تحت الرمال.
راقبوا بعضكم البعض، فبلادنا موبوءة بمرض الجنجويد، والنار من مستصغر الشرر، انتبهوا لما يدور بينكم وحولكم فال (جنجويدزم) مرض عضال يصعب استئصاله لكنه ممكن أن يحسم في مهده.

احبك صغيرتي ومن مرقدى أوصيكم على الارض وصدقينى لم يكن اسلافك خائبين، لقد استبسلوا استبسالا أذهل العالم وها أنتم تعيشون في وطن آمن ضحى آلاف الأبطال بأرواحهم من أجله.
انتبهوا وكونوا دائما يقظين جاهزين للدفاع عن الأرض، فالأرض تحميها الدماء وليس لضعيف أو مستضعف أرض، ذلك هو التاريخ للأسف يا صغيرتي.

كونى دائما بخير
هذه الأرض لنا

١٨ أبريل ٢٠٢٤

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق