مقالات

البكاء والعويل على وثيقة قحت الدستورية المعطوبة

خالد هاشم خلف الله:

منذ أن أدلى الفريق أول ياسر العطا،  مساعد القائد العام للقوات المسلحة بتصريحه مؤخرا لقناة العربية عن عزمهم الغاء الوثيقة الدستورية التى بموجبها أسست الشراكة السياسية بين القوات المسلحة وبين جماعة الحرية والتغيير (قحت) فى أغسطس ٢٠١٩ ، وهى الشراكة التى ظلت قائمة ببن الطرفين حتى قام الجيش بفضها فى أكتوبر ٢٠٢١ ، وما تبع ذلك من حل لحكومة حقت برئاسة حمدوك والمعروف ان هذه الوثيقة الدستورية المعطوبة عكف على صياغتها شخصان محامى ليست له أدنى صلة بصياغة الدساتير وانما جل نشاطه منحصر فى المرافعة أمام المحاكم فى القضايا المدنية وغيرها والتوثيق القانونى للمعاملات التجارية من بيع وشراء يعنى بالمختصر محامى سوق وسماسرة ، اما الشخصية الثانية التى عهد لها بمشاركة محامى عمارة الضرائب ( مقر سماسرة الاراضى والسيارات فى الخرطوم المكلومة والمحتلة من قبل الجنجويد ) فهى استاذة جامعية فى القانون الدستورى وهى قد تكون جديرة بعضوية لجنة موسعة لكتابة دستور بحكم تخصصها الدقيق لكن ليس عضوا فى لجنة تقتصر عضويتها عليها وعلى محامي سماسرة عمارة الضرائب .
ولا اعرف سر المناحة والبكاء والعويل الذى يمارسه القحاتة على وثيقتهم الدستورية المعطوبة منذ أن أدلى الفريق ياسر العطا بتصريحه لقناة العربية بالعزم على الغائها ووضعها فى مذبلة التاريخ كاحط واوضع نص دستورى تحكم به دولة وشعب ، فهى وثيقة بلا اى قيمة ولا تساوى ثمن الحبر الذى كتبت به وكان الأجدر بل اوراقها الصفراء ونقعها فى الماء وتقديمها عصيرا للقحاتة فى مؤتمر واجهتهم الجديدة تقدم المنعقد هذه الايام فى أديس أبابا.
ومن يرى مناحة القحاتة على وثيقتهم الدستورية العليلة يظن انها وثيقة كتبتها لجنة موسعة تضم فى عضويتها خبراء وفقهاء فى القانون الدستورى وليس لجنة مكونة من شخصين احدهم محامى لسماسرة عمارة الضرائب فى الخرطوم المحتلة من قبل الجنجويد ذراع القحاتة العسكرى ، هذه الوثيقة الدستورية هى بالنسبة لجماعة قحت مثل صنم العجوة يقدسونها وقت ما يشاؤون و ياكلونها حين يقرصهم الجوع وتصرخ امعاؤهم .
كان القحاتة أنفسهم اول من انتهك الآجال الدستورية لوثيقتهم التى نصت على تكوين المجلس التشريعى بعد ثلاثة أشهر من بدء تشكيل الحكومة الانتقالية والمجلس السيادى اى فى نوفمبر ٢٠١٩ أذ أن حكومة قحت الأولى برئاسة حمدوك شكلت فى اغسطس ٢٠١٩ بعد أيام من توقيع قائد الجيش ورئيس المجلس العسكرى وقتئذ الفريق البرهان على الوثيقة الدستورية لتكتسب فعاليتها ونفاذها بتوقيعه هو كرئيس للمجلس العسكرى ولولا هذا التوقيع لما أصبحت لوثيقة قحت الدستورية أى قيمة ولم تكن لتسوى شروى نقيرولاصبحت هى والعدم سواء أى أن توقيع رئيس المجلس العسكرى للقوات المسلحة نفخ روح النفاذ والفعالية فى هذه الوثيقة المعيبة المنبتة وليس توقيع حمدوك ولا الدقير ولا بابكر فيصل او غيرهم من قادة قحت الذين درجوا على سواقة الناس بالخلاء حتى يوم الناس هذا بالقول بأن حمدوك لا يزال هو رئيس الحكومة الشرعي وأن لا شرعية للبرهان بعد ما وقوع ما يرونه هم وحدهم انقلابا فى أكتوبر،،٢٠٢١ وهو لم يكن انقلابا وانما فض شراكة سياسية بين الجيش واحد مكونات الحكم الانتقالى الذى كان مكونا من ثلاثة أطراف حتى أكتوبر ٢٠٢١ وهى الجيش وقحت والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا فى أكتوبر ٢٠٢٠ واختلف قادة الجيش مع احد أضلاع هذا المثلث وهم جماعة قحت فقام الجيش بفض شراكته معهم مع الحفاظ عليها مع الضلع الثالث وهى الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا ، هذا هو التشريح الحقيقى والواقعى للوضع السياسى للبلاد منذ أكتوبر ٢٠٢١ وحتى يوم الناس هذا الذى تقاتل فيه القوات المسلحة والحركات المسلحة والمقاومة الشعبية المسلحة غزاة الجنجويد الذين ترفدهم جماعة قحت بالدعم السياسى والاعلامى فى حربهم ضد الشعب السودانى .
وبالعودة لموضوع انتهاك قحت للمواعيد الدستورية التى ضمنتها وثيقتها الدستورية هو انتهاك الموعد الذى نصت عليه الوثيقة الدستورية وهو ان يتم تشكيل المجلس التشريعى بعد مضى ثلاثة أشهر من تشكيل مجلسى السيادة والوزراء وكان المبرر الذى قدمته قحت لعدم احترام ميقات دستورى قررته هى نفسها لانها هى وحدها – اى قحت – من صاغت مواد ومواقيت وثيقتها الدستورية كان المبرر ان مفاوضات السلام فى جوبا مع الحركات المسلحة قد انطلقت وأنه لابد من الانتظار لحين الانتهاء منها وتوقيع اتفاق سلام نهائى مع الحركات المسلحة والتى كان لابد أن يكون لها نصيب من مقاعد المجلس التشريعى ، وقد كانت هذه حجة واهية إذ كان من الممكن تشكيل المجلس التشريعى وأن يبدأ ممارسة مهامه واختصاصاته وحين يتم التوصل لاتفاق سلام مع الحركات المسلحة كان يمكن إخلاء مقاعد لها فى المجلس التشريعى وفقا للنسبة التى تحددها بنود اتفاقية السلام كما فعلت حكومة السودان فى مفاوضاتها مع الحركة الشعبية فى نيفاشا إذ ظل المجلس الوطنى يمارس مهامها التشريعية حتى تم التوصل لاتفاق نيفاشا مع الحركة الشعبية فى يناير ٢٠٠٥ والذى نص على تخصيص مقاعد لها فى المجلس الوطنى وكل الذى حدث ان المؤتمر الوطنى الحزب الحاكم وقتها اخلى مقاعد تعادل ما أتفق عليه فى اتفاقية نيفاشا من عدد مقاعد فى البرلمان للحركة الشعبية ولا أظن أن مثل هذه المعالجة كانت غائبة عن ذهن جماعة قحت ، ولكن كان هناك سببين رئيسين لعدم تشكيل قحت للمجلس التشريعى وتجاوز الميقات الذى حددته الوثيقة الدستورية لتشكيله ، السبب الأول هو تنازع مكونات قحت على نسبة المقاعد المخصصة لهم وهى كانت تشكل نسبة ٦٣% من مقاعد المجلس التشريعى ( فعلا من بيده القلم ما بكتب نفسه شقى وضمنت قحت أغلبية ميكانيكة لها فى المجلس التشريعى تستطيع أن تمرر بها اى تشريع تريده او ترفض اى تشريع لا يروق لها يعنى برلمان مثل برلمانات الدكتاتوريات الصريحة التى لا تدعى لنفسها نسبا فى الديمقراطية كما تفعل قحت ) حيث أراد حزب الامة نسبة ٦٠% من نصيب قحت فى المجلس التشريعيى بحجة انه الحزب صاحب اكبر كتلة فى برلمان الديمقراطية الثالثة قبل انقلاب البشير فى يونيو ١٩٨٩ ، اما السبب الاخر فهو الأهم فقد بدأت قحت فى نسج خيوط علاقاتها مع مليشيا الجنجويد وتقوية اواصرالتحالف معها، فقحت تستبطن عداء وكراهية عميقتين للقوات المسلحة رغم ان قادة القوات المسلحة قد ارتكبوا خطأ تاريخيا بتسليم السلطة التنفيذية خلال فترة انتقالية لاحزاب سياسية مثل جماعة قحت دون أن يكون لها تفويض شعبى عبر صناديق الاقتراع وليس عبر الشارع كما كانت تبرر قحت استحواذها على السلطة ، وعلى الرغم من التمييز الذى عاملت به القوات المسلحة جماعة قحت الا أنها اى جماعة قحت استمرت فى عدائها للقوات المسلحة حتى خلال مشاركتها السلطة السياسية قبل أن يقوم الجيش بفض تلك الشراكة فى أكتوبر ٢٠٢١ ويبدأ تصحيح ذلك الوضع الشاذ وغير المستساغ، فى ذات الوقت عملت قحت على التودد لمليشيا الجنجويد وقائدها حميدتى ونسج خيوط الواصل والتوطئة للتحالف بينهما ولعل ذلك كان بتأثير مباشر من حزب الامة الذى رأى فى مليشيا الجنجويد الظلال القديمة لمليشياته التى كان يستجلبها من دارفور وكردفان لذبح وقتل اهالى الخرطوم كما فعل فى أحداث نوفمبر ١٩٥٤ التى فعلت فيها مليشيا حزب الامة نفس ما فعلته مليشيا الجنجويد فى الخرطوم والجزيرة ودارفور وبعض أجزاء كردفان اليوم ، فحزب الامة هو الحزب التاريخى للجنجويد واسلافهم ، ولما كان تحالف قحت مع مليشيا الجنجويد يستوجب استمرار وجود المليشيا المجرمة ووضعها كترياق مضاد للجيش كان لابد من تغييب المجلس التشريعى الانتقالى لانه كان ستكون من ضمن عضويته جماعات تعادى مليشيا الجنجويد وتنادي بحلها وتصفيتها تماما مثل بعض لجان المقاومة ومثل الحزب الشيوعي الذى خرج لاحقا من تحالف قحت وربما كان الموقف من مليشيا الجنجويد هو أحد اسباب خروجه من تحالف قحت والخشية على مصير مليشيا الجنجويد والحرص على بقائها هو ما دفع قحت لانتهاك الميقات الدستورى الذى خطته بيمينها لتكوين المجلس التشريعى الانتقالى خشية من طرح بعض القوى لقانون لحل جناحها العسكرى مليشيا الجنجويد ، والان وقد كشفت وقائع الحرب الحالية الصلة العضوية اللصيقة بين مليشيا الجنجويد وقحت وأن العلاقة بين الطرفين مثل علاقة التؤام السيامى التصاق تام لا يستطع مبضع جراح فصله وكيف ان قحت فى كل ما تطرحه من حلول تقول انها لانهاء الحرب وانما تجد فى صميمها بقاء مليشيا الجنجويد ، فقحت ومن يقفون خلفها وخلف مليشيا الجنجويد لن يتخلوا عن الاهداف الاستراتيجية لحرب الجنجويد الحالية ضد الشعب السودانى وأهم هذه الأهداف هزيمة القوات المسلحة وتصفيتها بشكل كامل ، وتهجير الشعب السودانى من مدنه وقراه وإحلال المستوطنين الجنجويد من تشاد و النيجرومالى محلهم ، وبعدها يحلو لقحت وبقية أطراف التحالف الشيطانى تنفيذ مخططهم ولكنهم لن يفلحوا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق