أخبار وتقارير
الأزمة السودانية بين عاصمتين.. جوبا ونيروبي.. تفاصيل ما حدث
تعليق التفاوض في جوبا يرسم الحسرة على وجهي كادقلي والدمازين..
ورقة حكومية مرنة تصطدم برفض الحركة تجزئة الحلول..
اتهام عبدالعزيز الحلو بالمناورة السياسية والمماطلة في تحقيق السلام..
إلى أي مدى انعكس إعلان نيروبي سلباً على منبر التفاوض في جوبا؟!
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو:
علقت الوساطة الجنوبية طاولة المفاوضات التي تجري في مدينة جوبا بين وفدي الحكومة والحركة الشعبية شمال بشأن إيصال المساعدات الإنسانية إلى منطقتي جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة، وإقليم النيل الأزرق، وذلك لمزيد من التفاكر حول الورقة التي قدمتها الحكومة السودانية، يأتي ذلك غداة توقيع كل من عبد العزيز الحلو قائد الحركة الشعبية شمال، وعبد الواحد محمد نور رئيس حركة جيش تحرير السودان، وعبد الله حمدوك، رئيس الوزراء المستقيل، على إعلان سياسي في نيروبي تضمن الكثير من النقاط الحساسة من أبرزها إنهاء الحرب، وتقرير المصير وتأسيس دولة علمانية.
صاعقة التعليق:
لقد وقع خبر تعليق المفاوضات على مواطني المنطقتين كالصاعقة وشكل إحباطاً كبيراً للكثيرين الذين كانوا يتوقعون سرعة التوصل لاتفاق بشأن توصيل المساعدات الإنسانية، نسبة لسهولة البند المطروح على منضدة التفاوض، وارتكازاً على رغبة الطرفين في إيصال المساعدات للمتضررين في منطقتي ولاية جنوب كردفان ـ إقليم جبال النوبة وإقليم النيل الأزرق، وهي عوامل رسمت بشريات الرجاء والأمل على محيّا المواطنين في كادقلي والدمازين، حيث تفاءلوا بإمكانية تطوير الاتفاق الإنساني إلى تسوية سياسية شاملة تحقق سلاماً مستداماً ينهي معاناة المواطنين في المنطقتين.
تفاؤل وبشريات:
وارتفع سقف التفاؤل والبشريات مع انطلاق جولات التفاوض التي شهدت جلستها الافتتاحية رغبة جادة من طرفيين وصلا إلى جوبا بقلبين مفتوحين للتفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق، وتعزز هذا التفاؤل في ظل وجـود وفـود شعبية تمثل الطرفين حضروا كمراقبين ومساندين وداعمين لطاولة التفاوض باعتبارهم الواطئين على جمر المعاناة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة أو تلك التي تسيطر عليها الحركة الشعبية في المنطقتين.
حضور كباشي:
وكان الفريق أول ركن شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي، نائب القائد العام للقوات المسلحة قد أكد أن الورقة التي طرحتها الحكومة السودانية على طاولة التفاوض تمتاز بالمرونة وقابلية النقاش المثمر والشفاف بالقدر الذي يضمن التوصل إلى اتفاق مع الحركة الشعبية شمال لوضع حد للمعاناة التي قال إن المواطنين في المنطقتين، ظلوا يتعرضون لها على خلفية التداعيات السلبية للحرب المستعرة بالمناطق التي تحت سيطرة الطرفين.
توفر ضمانات:
وبشأن موقف الحركة الشعبية في الجلسة الافتتاحية للمفاوضات وتأكيداتها بعدم تجزئة الحلول وضرورة إيصال المساعدات لكل المناطق خارج ولاية جنوب كردفان وإقليم جبال النوبة، وإقليم النيل الأزرق والتي كانت قد تأثرت بحرب الخامس عشر من أبريل، قال الفريق شمس الدين كباشي إن الحكومة السودانية لا تمانع في إيصال المساعدات إلى بقية الولايات التي تشهد أوضاعاً مماثلة حالما توفرت الضمانات والتدابير التي تضمن سلامة العاملين في المنظمات الإنسانية، خاصة وأن الحكومة السودانية سبق وأن صادقت أكثر من مرة على إجراءات مماثلة خرقتها ميليشيا الدعـم السـريع.
سبب في التعثر:
وكانت تقارير صحفية وإعلامية قالت إن تمسك الحركة الشعبية بضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع أرجاء البلاد، قد يكون سبباً في تعثر مسار التفاوض، باعتبار أن المبدأ الذي قامت عليه طاولة المفاوضات في جوبا، كان مرتكزاً على وثيقة اتفاق توصل إليها الفريق شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي، نائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية، وعبد العزيز الحلو، قائد الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال، حيث قضت الوثيقة التي اتفق عليها الطرفان في الرابع من شهر مايو الجاري بمدينة جوبا، بتوصيل المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة الحكومة والحركة الشعبية في منطقتي جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة، وإقليم النيل الأزرق.
مناورات الحلو:
ويرى مراقبون أن قائد الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان عبد العزيز الحلو غير جاد في التوصل إلى اتفاق سلام وتسوية سياسية تنهي معاناة المواطنين في المنطقتين، وأن ما يقوم به الحلو ليس سوى مناورات سياسية الهدف منها تسويق الرجل وتقديمه كبطل سلام في خطوة تحاول من خلالها الحركة الشعبية خطب ود المجتمع الدولي والإقليمي، مستشهدين بموقف عبد العزيز الحلو الذي انسحب من طاولة التفاوض التي جرت في بواكير ثورة ديسمبر بحضور رفقاء الكفاح المسلح الذين توصلوا لاتفاق سلام في الثالث من أكتوبر ٢٠٢٠م في مدينة جوبا.
سلطة وجاه:
ويتمتع قائد الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال عبد العزيز الحلو بنفوذ كبير داخل الحركة وينعم بسلطان وجاه لا يتوفر حتى عند الرؤساء، والقادة والزعماء، وهو بحسب مراقبين أمرٌ يدفع الحلو إلى التماطل في التوصل إلى اتفاق سلام مع الحكومة السودانية، سواءً في عهد الإنقاذ البائد، أو في بواكير ثورة ديسمبر، أو حتى حالياً في ظل الفترة الانتقالية، منوهين إلى إعلان نيروبي الذي وقعه الحلو مع عبد الواحد محمد نور وعبد الله حمدوك، يوم السبت، وهي خطوة اعتبرها الكثيرون تهميشاً لمسار التفاوض الإنساني في مدينة جوبا.
نقد إعلان نيروبي:
ويقلل رئيس القيادي بالكتلة الديمقراطية مبارك أردول من خطوة التوقيع على إعلان نيروبي واصفاً إياها بغير المجدية في ظل العقلية التي يتعامل بها الموقعون، والذين قال إن مخيلتهم لطريقة الحكم تطغى على المواثيق الموقعة من خلال عدة تجارب سابقة استعرضها أردول، مطالباً في الوقت نفسه رفيقه عبد العزيز الحلو بالتفرغ إلى ما وصفه بالواجب المنزلي المتمثل في التوصل إلى اتفاق بشأن إيصال المساعدات الإنسانية إلى المنطقتين، وكان الناطق باسم حزب الأمة القومي الواثق البرير تحفظ على عدة نقاط تضمنها إعلان نيروبي وصفها بالقضايا الخلافية التي تتطلب نقاشاً من الجميع، يأتي ذلك في وقت هاجمت فيه قوى سياسية ومجتمعية إعلان نيروبي ووصفته باتفاق الضعفاء لجهة عدم وجود أي وزن لكل من عبد الله حمدوك وعبد الواحد محمد نور في الوقت الراهن.
على كلٍّ ما بين جوبا ونيروبي زخمٌ وحراك مرتبط بشأن قضايا الراهن السياسي في البلاد، وتبقى القيمة الحقيقة في إيجاد مخارج ومعالجات للأزمة السودانية مرهوناً بجدية الأطراف وحرصها على التحرك في مساحات تلبي أشواق وتطلعات المواطنين المكتويين بنار الحرب وتداعياتها الأمنية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية وليس تحقيق أجندات شخصية تخدم أفراداً وكيانات بعيداً عن مصلحة الوطن ورغبة المواطن.