مقالات
قطر بين “ذهب” و”آثار” السودان
د. محمد خليفة صديق:
من الأمور التي أثارت جدلا عريضا في تاريخ العلاقات السودانية القطرية قبل سنوات المشروع السوداني القطري للآثار، وهو المشروع الذي ضخت فيه قطر مبلغ 135 مليون دولار للتنقيب عن آثار النوبة وصيانة أهرامات السودان وسلسلة من الأنشطة والمشروعات الآثارية التي تعيد لآثار السودان ألقها، وتساهم في التعريف بها محليا وعالميا.
وإثارة الجدل جاءت من كون قطر اقتحمت عش الدبابير الذي كان مقصورا على دول العالم الأول التي تعقد اتفاقيات مع بلادنا باطنها فيه الرحمة وظاهرها من قبلها العذاب، يجرى فيها التنقيب عن الآثار وتقاسمها مع أهلها،وظل المشروع حديث المجالس لفترة ليست بالقصيرة، لكنه ظل بحمد الله يواصل أعماله، ويحصد النجاح تلو النجاح، ولعلها سانحة مناسبة للهمس في أذن من يهمه الأمر أن يواصل المشروع أعماله بوتيرة أسرع، خاصة في مناطق كريمة ومروي ونوري، البعيدة نسبيا عن مناطق الحرب، وأن يشتبك أكثر مع مواطن المنطقة والوافدين إليها عبر أنشطة متعددة للتعريف بالمشروع وأدواره، وتجديد وفتح متحف السودان القومي الثاني بكريمة في سفح جبل البركل في ظل إغلاق متحف السودان القومي بالخرطوم بسبب الحرب.
أما الأمر الثاني الذي أثار ذات الجدل في العلاقات السودانية القطرية فهو إنشاء مصفاة للذهب السوداني في الدوحة بالتعاون مع رجال أعمال قطريين في الدوحة، بعد أعلان توقيع اتفاق بين السودان وقطر على إنشاء المصفاة، من أجل معالجة صادرات السودان من المعدن النفيس، خلال لقاء وزير التجارة والتموين السوداني الفاتح عبد الله يوسف مع وزير التجارة والصناعة القطري محمد حمد بن قاسم آل ثاني، على هامش اجتماعات النسخة الثالثة لمنتدى الاقتصاد والتعاون العربي مع دول آسيا وأذربيجان في الدوحة قبل أسابيع.
وقد سألت وزير التجارة والتموين في لقاء جمع بيننا في مكتبه ببورسودان بحضور صديقي الإذاعي الكبير الحاج أحمد المصطفى أهمية وجود مصفاة للذهب السودان في الدوحة في تعظيم صادر البلاد من المعدن النفيس، وهل لوجود هذه المصفاة في الدوحة أي تأثير سالب خاصة في الجوانب السيادية وجوانب الأمن القومي، فقال إن وجود مصفاة للذهب السوداني في دولة مثل قطر سينعكس ايجابا على صادر الذهب السوداني لأن قطر بثقلها الدولي قادرة على الحصول على الاعتمادية الدولية للذهب، عبر مصفاتها التي ستنشأ بمواصفات عالمية ومعامل متطورة، وبذا تصبح السوق القطرية واعدة بالنسبة لمصدري الذهب السودانيين، كما سيسهل وجود المصفاة إعادة تصدير الذهب السوداني إلى أسواق أخرى، بعد حصوله على الاعتمادية، مما يعطيه ميزة نسبية، وبالتالي قيمة أعلى.
والملاحظ أن فكرة إنشاء مصفاة للذهب السوداني في الدوحة جاءت بهدف فتح سوق جديد لذهب السودان في المرحلة القادمة، حتى يتسنى للسودان توزيع أدوار الأسواق لدول واعدة في ظل الاتفاقيات والبروتوكولات التجارية، في ظل تزايد إنتاج الذهب في السودان، وحاجة المصدرين إلى أسواق أخرى غير الأسواق التقليدية، كما أن البلاد بحاجة إلى تلافي آثار توقف مصفاة السودان للذهب بالخرطوم والتي توقفت ونهب ما بها من ذهب من قبل مليشيا الدعم السريع، كما أن إنشاء مصافي للذهب في السودان، يحتاج لشراكات مع القاع الخاص، وعلمنا أن هناك مساعي حثيثة لإنشاء مصفاة للذهب في عطبرة، أو بورسودان، وكل هذه المصافي ستظهر آثارها في تنويع وتجديد أسواق الذهب السوداني.
وعودة لمصفاة الذهب السوداني في الدوحة أنها ستسهم في تقديم تسهيلات لتاجر الذهب السوداني على مستوى التصدير، وتنويع سوقه، والدوحة ستكون سوقاً ثانية في الذهب يمكن للتاجر أن ينقله إلى دول أخرى بعد تصفيته واعتماده وفق المواصفات والمعايير العالمية.
تبقى أن نقول أن السودان يرحب بوجود قطر إلى جواره في كل المحافل، وقطر هي أكثر دولة وقفت مع السودان في محنة الحرب في كل النواحي، وشهدت بذلك الأمم المتحدة خاصة في الجوانب الانسانية والاغاثية والصحية، ويكفي أن السيدة لولوة بنت راشد الخاطر وزير الدولة للتعاون الدولي القطرية هي الوزيرة الأولى والأخيرة حتى الآن التي وصلت إلى السودان وتفقدته على الأرض بعد مأساة الحرب، وقدمت دعم قطر المعنوي قبل المادي لإنسان السودان في محنته، وظل حضورها متواصلا بلا انقطاع.
وظل همّ السودان ملازما لهذه السيدة النبيلة في كل المحافل، حتى في كلمتها قبل أيام في النسخة الأخيرة لمؤتمر الدوحة لحوار الأديان حول (الأديان وتربية النشء في ظل المتغيرات الأسرية المعاصرة) طالبت العالم بالوقوف مع السودان في أزمته الراهنة حيث يواجه شعب السودان أكبر أزمة نزوح في العالم حاليا، ووصفت الحرب في السودان وما نجم عنها بالمأساة المنسية.