منوعات وفنون

شاعر الفراش إسحق الحلنقي يقاوم أعاصير الإشاعة 

يظل الحلنقي صوت العنادل المغردة وزخات السواقي الحنونة

الحلنقي هو تنهيدات الشجن وافترار البسيمات الأليفة

بقلم/ عادل حسن:

الدنيا الضنينة منحتنا تأشيرات خروج مفتوحة على كل الأزمنة العبوسة وهذه لوعة جديدة تملؤنا بمشقة مفارقة الوطن وتباريح مغادرة الديار.

وفي الطريق إلى كسلا تطل التاكا مثل صدر (الطاشرات) مكسوة بالخضرة وتبرج شمس توتيل ثم فواح رائحة البساتين حارة كنداء غامض وتمشي في القلب حنينا هتافا إلى ما لا تدريه من تزاحم الروعة
هناك يوجد صديقي الفنجري اسحق الحلنقي في كسلا وقتها مثل حالة معرض دولي للشوق والسماح.
عندما عاد الحلنقي إلى كسلا في عودة مثل النور ينساب عبر قبعة من القش مرحى ذهبت إلى صديقي اسحق الحلنقي في كسلا في طريقنا سويا للسفر والعودة للخارج اعترف لكم بدأت اتعثر علي درب روحي فالمطر والليل وبعد المسافة كذلك الشوق اللحوح يتحالف مع الوحشة
حقا كانت المواسم البديعة لاطلالة خريف كسلا البكاي يستقبلني عند فم مدخل كسلا ومعه ستون سنة من تاريخ الأشعار والجمال الخاطف للأسحار.
وبكل رهبتها واسرارها المهولة وحكايات تاجوح وتشويق بدايات
انت يا الأبيض ضميرك
صافي زي قلب الرضيع
وبحلقنا نشاهد
هجرة عصافير الخريف
في موسم الشوق الحلو
ومع ذلك يلسعنا سؤال الريدة والشقاوة
فايت مروح وين
ما لسه الوقت بدري
خليك شوية معاي
عشان جمبك بطول عمري

ونحن نستوصي ونتعلم من الايام سالنا الحلنقي عن مكان العنبة الرامية فوق بيتنا
ايها اللطاف القراء والمرهفين الحلوين نقول لكم:
يظل الحلنقي في حياة السودان مثل صعود القمر الصامت شبه الازلي في سماء الابداع المنتشر البهاء.
الحلنقي أضحى من حضارات التاريخ المتراكمة في بقعة واحدة من الأرض الوارفة بالشعار ونفس الأزاهر ورفيف الفراشات وخرز دميعات السفر وعناق الاخلاء واحضان الاحباب وعطر فضاح لكل الولهانين الحلنقي ياسادة مازال هو شرف القصائد العرايس ونظل ننحني عليه تحت الضلوع ونسكنه في الحدق.
بشرى نقولها إلى كسلا هذه الرقعة الهفهافة المتناصفة ما بين الخضرة والتلال ثم نهر يلفها في حنو مجنون هذه الكسلا المدينة الأنثى الشهية مثل الخيانة تحكي عن قصة مبدع دفاق روي الخواطر بأعذب الأشعار التي ابتردت في مياه توتيل وامتصتها شفاه الحسناوات وعادت للحلنقي الشقي الوسيم أحلى فاتنات الأغنيات
أوسدك قلبي وأرعاك بعينيا
اسقيك مياه توتيل
عشان تعود ليا
اه اه لرفعة الترجي ورقة الشكوى والخيار المزمز
الم نقل لكم بأن الدسيس الحلنقي يظل صوت العنادل المغردة وزخات السواقي الحنونة وانينها الم نقل لكم بان الحلنقي هو تنهيدات الشجن وافترار البسيمات الخاطفة
نعم كتب الحلنقي للاسفار والاشواق والاسحار وللحنيني وللمظاليم وللمساء المطعون وللسمحات عجن ولدن
عندما تكتب عن الحلنقي قطعا تتكسر عنده هشاشة الروح وتجلس ذاكرتك بعيدا تكابد مخابي ومخافي التذكارات.

الحلنقي عندي هو صديقي واخي بكل تضاريسه الانسانية المسكونة بالغيوم والصباحات المطرزة برزاز المطر الخجول تضاريسة المتوردة مثل بياض البلور ولن تكون عندي حكايات منسية في دروب معزته ولذلك لم نكون يوما علي غياب من بعضنا
والآن هو في بلاد وأنا في بلاد أخرى
صباحاتنا ديدنها ابتسامات اللهفة وامسياتنا اعتادت علي اعتوار الذكريات عن مفارش الشوق في الوطن.
على كل هذا السنا والثناء لم تتفارق ارواحنا والان امضغ حروفي مثل شهقة الحب الاولي لها مذاق وعزاب
الحلنقي في حياتنا مثل الطير الخداري ومثلم حلم علي مرمي ضرخة شهية ومثل اه شجن علي مرمي دمعة ودودة والاقرب من جلدي اينما كنت انا

الحلنقي في كسلا عسللي سهرة

بعد ان صرف الحلنقي المرهف عمرا كاملا تحت بند الغربة عاد الي بلاده متقفيا رحلة حمام الوادي وتبدت له مراتع الوطن الحلوة ونحن نتمعن اقترابه من الاوبي الشغوفة والليالي البهية وريانة وتغرد له المصابيح وتدمع له الشموع في مد باكي يفرك عيون عودة الغائبين وتقدم لهم الليالي شوكولات المحبة في موال
وقتها اطل علينا الحلنقي مثل صباح العيد وتلفحناه عطرا وحرير
كان الحلنقي يتمرق في غربته وهي موحشة ومقفرة بلاحنان وبلا عصافير تقف عليها ولا طيور هجرة عندها تهبط عشية
عاد الحلنقي الي كسلا بعد ثلاثون عاما مكتظة بالشوق وبدات له كسلا قريبة حلوة كسراب غامضة كتعويزة
دس الحلنقي عيونه في نهر القاش وتلمظ كبة عسل رمال الصيف ولعق بقايا حبات الذكري
استدر الحلنقي الايام المشبعة للشباب علي نهر القاش الذي كم سهروا فيه وغنوا فيه وسامروا فيه وبقية الايحاءات الشفافة كانها خارجة من احشاء التاريخ كزكريات مسحورة ربما عانقت الحلنقي عند ضريح سيدي الحسن في كسلا.
قد اجريت سهرة مخضبة بالشوق والحنين مع صديقي الحلنقي الذي انساب مثل خرير الجدول وانزلقت دموعه وحتي السواقي بكت معانا والحكايات والاشعار المفرهدة كانت تحاصرنا في عزوبة وخرجنا من فضائية كسلا ممتلئين سماحة حتي كاد الناس يغازلوننا في الشارع.

وبعدها بأيام سافرنا عشية مجددا لأوكار الهجرة وفي صبابا وتباريح ودعنا صديقنا المشترك المهندس الظريف والمدير المثقف الشفيف عادل محمد احمد الطاهر صديق ملم الصحاب ووجه الابتسام والضحكات
غادرنا كسلا في ليل داجي بالسحب مخيف الاسفار ابتلعنا حوت الغربة علي مفرق بعضنا وتركنا اجمل وطن.
ولكن الالسن المسعورة اللاهثة للشهرة الشمطاء تلاحق الحلنقي باشاعة موته الكذوبة من بعض المغرضين والعسس من حثالة الناس
لماذا ترمون فرية الموت
ان للحلنقي البشوش الناصع الخلوق الرهيف الرقيق؟ ألم يكن فيكم من لم يبكي بدموع سرية
لو وشوش صوت الريح في الباب
يسبقنا الشوق قبل العينين
ومن فيكم لم يكابد عتامير الشجن
للسمحين معاك
ما خليت سماحة
وهل هناك من هو افلت من دياجر الشكوي
لو مرة الدرب جابك
وناداك عندنا الياسمين
تفوت من غير تسالم الناس
كتير يعني السلام بالعين
ايها اوغاد الاشاعات ان الحلنقي يرفل في نعيم حياته ويرعي اسرته بالحلال المضني ولو تعلمون بان حياة الحلنقي تساوي الف حياة وحياة
وماذا تعني حياتكم انتم منزوعة الدسم
فالموت لكم انتم وتبقي حياة الحلنقي زهرة فوق كوم رمادكم
الحلنقي ازيك.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق