إسماعيل جبريل تيسو:
كم كنت مشفقاً على مصير الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحُرّة وهي تتعرض في بواكير حرب الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م إلى عمليات نهب وتخريب ممنهج استهدف جميع مقراتها سواءً في أرض المعارض ببُرِّي أو في المنطقة الحُرّة في قرّي، وهو أمرٌ انعكس سلباً على قدراتها وإمكانياتها المالية واللوجستية، لدرجةٍ توقعنا فيها أن تنهار واحدة من كبريات مؤسساتنا التي تمثل ساقاً مهماً يقف عليها اقتصادنا الوطني، خاصة بعد أن بدأت الأسواق الحُرّة تلفظ في بنيها ومنسوبيها إلى خارج المنظومة ملتزمين إجازات مفتوحة بدون رواتب.
أيعقل أن يكون مصير كل هذه الخبرات الفنية والمالية والإدارية إلى زوال؟ وكيف لشركة وطنية حكومية تُحسب في خانة المؤسسات الإيرادية الرائدة، أن تكون بين ليلة وضحاها صفرية عطاءً وإنتاجاً ومخزوناً استراتيجياً؟ أسئلة كثيرة ظلت حائرة تُلحُّ على الحضور في زمن الإجابات الغائبة، بيد أن هذه الأسئلة سرعان ما بدأت في التراجع مع تراجع الغيبوبة التي أفرزتها صدمة الحرب حينما بدأ جسد الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحُرّة يتعافى تدريجياً خاصة بعد تحركات مكوكية لمجلس الإدارة انتهت بتكليف الأستاذ عمر محمد شيخ الدين بمنصب العضو المنتدب كوظيفة مستحدثة داخل الشركة تقوم بدور محور الارتكاز الرابط بين مجلس الإدارة والمدير العام، فوظَّف شيخ الدين كل خبراته الإدارية والتنفيذية لصالح استعادة عافية الأسواق الحُرّة، فنجح خلال فترة قصيرة في إخراجها من غرفة الإنعاش، فبدأت الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحُرّة تستعيد وعيها وتساهم بأفكارها الاستثمارية في تحريك بوصلة الاقتصاد الوطني وخدمة قضايا معاش الناس ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين المكتوين بنيران الحرب، فعادت الروح للأسواق الحُرّة، وعادت معها الحياة إلى الكثير من منسوبيها الذين عاودوا نشاطهم الوظيفي عبر المنافذ التي تم طرحها للمواطنين في عدة مناطق.
وبحلول نوفمبر ٢٠٢٣م بدأت الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحُرّة في التوجه الخارجي بعد أن رتبت بيتها من الداخل فشارك وفد رفيع من الأسواق الحُرّة في المؤتمر السنوي للمناطق الاقتصادية في أفريقيا الذي انعقد في مدينة طنجة المغربية، حيث قدمت الشركة رؤية السودان بشأن تكوين كيان اقتصادي أفريقي عربي يعزز من التعاون الاقتصادي بإنشاء غرف تجارية وصناعية للتخطيط والمتابعة والإشراف على تنفيذ المشروعات العملاقة في المنطقتين العربية والأفريقية، ولم ينتهِ مؤتمر المغرب، حتى كانت الأسواق الحُرّة، حاضرة في القاهرة عبر ملتقى قطاع العقار والفرص الاستثمارية، حيث طرحت الأسواق الحُرّة فكرة إنشاء مناطق حرة مشتركة بين السودان ومصر، وشهد ديسمبر من العام ٢٠٢٣م، مشاركة الأسواق الحُرّة في فعاليات الاجتماع ٣٩ للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي بتركيا والذي كان سانحة تواصلت من خلالها مع كبريات الشركات والمؤسسات الاقتصادية التركية وبحثت سبل التعاون وإقامة شراكات ذكية.
وعلى صعيد الداخل كان اهتمام الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحُرّة، منصبَّاً في كيفية تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين المكتوين بنار الحرب، من خلال طرح السلع الضرورية من المواد الغذائية والأجهزة والمعدات الكهربائية والأدوات المكتبية بأسعار رمزية وذلك بالتعاون والتنسيق مع كبريات الشركات والمصانع الوطنية، فنفذت الأسواق الحُرّة معرضاً تجارياً بمدينة بورتسودان في مارس الماضي، قبيل شهر رمضان المعظم، وها هي الأسواق الحُرّة تغبّر أرجلها في ميادين القتال ومسارح العمليات في العاصمة الخرطوم، وتعلن عن مبادرة ( عودة الحياة إلى الخرطوم) من خلال تنفيذ معارض خاصة بالاحتياجات الأساسية والضرورية للمواطنين في ولاية الخرطوم، بالإضافة إلى فتح منافذ للبيع المخفض في عدة مواقع في أم درمان، ثم كانت الوجهة التالية إلى الدمازين التي قصدتها الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحُرّة بغرض تنفيذ منطقة إقليم النيل الأزرق الحُرّة ارتكازاً على موقع الإقليم الاستراتيجي، وطمعاً في الاستفادة من الموارد والثروات التي يذخر بها الإقليم ليكون جاذباً استثمارياً لرجال المال والأعمال وللشركات الاقتصادية والمؤسسات التجارية، وقبل ذلك كله دعماً لمسيرة السلام القاصدة، فشكراً الأسواق الحُرّة على هذا الجهد وأن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي مطلقاً، فأنتم رائدٌ لا يكذب أهله، وننتظر مساهمتكم الفاعلة في دعم مسيرة الاستقرار، وإرساء دعائم التنمية والإعمار.