مقالات

جمال محمد صالح يكتب: حرب العبث.. الرؤية والهدف

 

إن عبثية حرب العبث لم تتجلي في غياب الرؤية وعدم وضوح الاهداف، فذاك ما كُنا نراه في بدايات الحرب حينما كنا نأخذ الأمور علي ظواهرها، ونحسن الظن بالفُرقاء. فحسبناها نزوة طيش عابرة. وكنا علي يغين جازم أنهم سرعان ما سيعودون إلي رُشدهم حينما يصحو فيهم صوت الضمير، وتتحرك بدواخلهم روح المسؤولية تجاه الوطن والمواطن. فتتوقف الحرب، وتصفو النفوس. ولكن تبين لنا اننا كنا واهمين حينما رأينا منهم ما لم يكن في الحُسبان، ولم يخطر بالبال وتجاوز عندنا سعة الخيال.
تجلت العبثية في أبشع صورها حينما تحول الوطن إلي مجرٌد “ملهاة” يلهو بها الأطفال ويعبثون. او جيفة مُزجاة في قارعة الطريق تبولت علي رأسه الكلاب. في ظل تلك الملهاة لم يعد المشي علي جماجم الأبرياء مثيراََ للتغذذ، بل لعبة مسلية، ولم يعد ذُل الشُرُفاء دون جناية مدعاة للندم، بل مظهر من مظاهر تجلي ” الفتوة ” والرجولة!!. تداخلت الحدود والفواصل بين الخيانة والولاء فحمل “الجُناة” سيوف الأبطال، وتُوٌُج “الخونة” بتيجان الملوك. راجت سوق “النخاسة” فتري الكُل يُنادي “مُتٌجراََ” بالوطن ومن فيه!!. ذاك هو وجه العبثيةفي حرب العبث.
أما من حيث الرؤية والاهداف، فلم تكن هي حرباََ عبثية فاقدة الرؤية، عديمة الأهداف، كماكنا نعتقد أو نظن.بل مشروع مكتمل الأهداف، واضح الرؤية. يُدار بحنكة واقتدار. تقف من وراءه غرفةعمليات تعلم جيٌداََ ماذا تريد. فهي التي وضعت مخطط المشروع، وهي التي تعلم ماَلاته ومنتهاه، واهدافه الكُلية، وهي التي تتابع سير التنفيذ. تتمثل الأهداف الكُلية لذلك المشروع في تخريب المجتمع وتدمير الوطن وتحويله إلي اشلاء وانقاض باقصي ما يتجلي العُقوق.
لقد أُوكلت مهمة انفاذ المشروع إلي’ مقاولين “رئيسيين يعلمون جانباََ من المشروع إلي الحد الذي يمكنهم من سلامة التنفيذ، واَخرين فرعيين تم ادماجهم في المشروع كميسرين” لوجستيين “. وهناك عمال أُجراء ومتعاونين تم تحفيزهم للعمل بالمشؤوع بالتناذل لهم عن”الانقاض”. إلا أن هناك طرف ذو صلة وثيقة ،هم أصحاب الأرض التي قام عليها المشروع. هؤلاء قد تم ابعادهم قسراََ بالقوة الجبرية إلي خارج منطقة عمل المشروع بحجة الصيانة وإعادة التأهيل.هؤلاء قد تم الزج بهم في العراء والهاؤهم بتدبير حوائج الماكل والمشرب والماوي طيلةفترة التشريد بالقدر الذي يصرف انظارهم عن متابعة ما يجري بالمشروع، واضعف فيهم المناعة للمدافعة وتجدد الاشواق والحنين بالعودة إلي أرض المشروع.
هكذا كان المخطط، وتلك كانت هي الرؤية، ذلك لأنه مشروع”شيطاني” النشاٖة ” انسي” التنفيذ. لذلك تظل نظرية ” العُقوق ” وحدها عاجزة عن تفسير ذلك الاندفاع المجنون لتخريب الوطن، وتلك الرغبة المحمومة في الانتقام من المواطن. فقد تعلمنا أن من طبائع الاشياء أن الانتقام يكون ممن ظلم، وإن التخريب يكون لمن كان وجوده عبءاََ علي المخرب.فما هي جريمة الوطن حتي يطاله التخريب؟!، وما هي جريرة المواطن حتي يناله الانتقام؟!
إنها سادية لم نجد لها مثيل في التاريخ.
( اللهم اجرنا في مصيبتنا ).

جمال الدين محمد صالح
الخرطوم /30/6/2024

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق