قراءة تفكيكية لكتاب ” السعوديه وقدرية المواجهة/ لا حرب دون مصر .. لا سلام دون سوريا… لا تطبيع دون السعوديه”
المفكر/ محمد أبوالقاسم حاج حمد

د.أسامة سيدأحمد حسين/ مركز تدبر للبحث العلمي
يُعد كتاب “السعودية وقدرية المواجهة- لا حرب دون مصر ولا سلام دون سوريا .. ولا تطبيع دون السعوديه ” للمفكر الراحل/ محمد أبو القاسم حاج حمد من الكتب الاستراتيجية العميقة التي حاولت قراءة الموقف السعودي في المنطقة ضمن رؤية حضارية شاملة، وليس مجرد تحليل سياسي آني.
الفكرة المركزية للكتاب:-
يرى حاج حمد أن المملكة العربية السعودية تقف، بحكم موقعها وثقلها، في قلب الصراع الحضاري مع المشروع الصهيوني والهيمنة الغربية، وأن “مواجهة” ما هي قدر حتمي لا مفر منه، وليس خيارًا يمكن تجنبه. الخيار الوحيد أمام السعودية هو في كيفية إدارة هذه المواجهة وطبيعتها، إما أن تكون مواجهة إيجابية فاعلة معتمدة علي مشروعها الحضاري الإسلامي الأصيل، أو أن تكون مواجهة سلبية دفاعية تنتهي بها إلى التنازلات والتطبيع والتبعية.
خلاصة أفكار الكتاب وتحليله:-
1. الموقع الاستراتيجي والقدر المحتوم:-
يحلل حاج حمد الموقع الفريد للسعودية كقبلة للمسلمين (ثقل ديني)، وكمُنتج رئيسي للنفط (ثقل اقتصادي)، وكلاعب مركزي في السياسة الدولية والإقليمية (ثقل سياسي) ويخلص إلى أن هذا الموقع يجعلها “هدفًا استراتيجيًا” رئيسيًا للمشروع الصهيوني والغربي، الذي يسعى إما للسيطرة عليها، أو تحييدها، أو استلابها لصالح مشروعه. لذلك، فإن “المواجهة” مع هذا المشروع هي “قدرية”، أي حتمية ومحتومة بسبب هذا الصراع على الثقل والنفوذ، وليست مسألة اختيار.
2. نقد السياسات التقليدية (المراوحة بين التبعية والممانعة):
ينتقد حاج حمد الموقف السعودي التقليدي القائم على “المحافظة” و “المراوحة” و “إدارة الأزمات” عوضا عن تبني استراتيجية واضحة و يرى أن سياسة “اللعب على كل الحبال” (التحالف مع الغرب من ناحية ودعم بعض قضايا الأمة من ناحية أخرى) أصبحت غير مجدية في المواجهة الحضارية الطويلة الأمد ويحذر من أن هذا النهج سيفضي لا محالة إلى مزيد من “الاستنزاف” و “التبعية” ويدفع السعودية في النهاية إلى قبول شروط الخصم تحت ضغط “القدرية”، أي إلى التطبيع والتنازل عن ثوابت الأمة.
3. الخياران الاستراتيجيان:
يقدم حاج حمد خيارين لا ثالث لهما:
· الخيار الأول (السلبي): مواجهة سلبية دفاعية:
وهو استمرار النهج الحالي القائم على ردود الفعل وليس الفعل وهذا الخيار سيؤدي حتمًا إلى “التطبيع” مع الكيان الصهيوني تحت ضغوط الواقع والهيمنة الدولية، كخيار “أقل ضررًا” وفقًا لهذه الرؤية. هذه النتيجة يعتبرها حاج حمد هزيمة حضارية، لأنها تعني التخلي عن الدور القيادي للسعودية كحاضنة للحرمين ومرجعية رمزية للأمة.
الخيار الثاني (الإيجابي): مواجهة إيجابية فاعلة:
وهو الخيار الذي يدعو إليه حاج حمد، ويقوم على تبني مشروع حضاري إسلامي مستقل.هذا المشروع يجب أن يعيد للسعودية دورها القيادي الطبيعي ليس بالشعارات، بل ب:
1. توحيد الصف الإسلامي حول القضايا المصيرية، وعلى رأسها قضية فلسطين.
2. استخدام الثقل الاقتصادي (النفط والاستثمارات) كسلطة استراتيجية فاعلة في المعادلة الدولية لخدمة مصالح الأمة، وليس كأداة للاستهلاك والتبعية.
3. دعم مشاريع المقاومة والتحرر في المنطقة ماديًا وسياسيًا، والتحول من دور “الصداقة مع واشنطن” إلى دور “الشراكة الاستراتيجية مع الأمة”.
4. إعادة بناء المنهجية الإسلامية في الداخل كي تكون السعودية نموذجًا يُحتذى به، وليس فقط حاميةً للأماكن المقدسة.
4. ربط المصير السعودي بمصير الأمة: يؤكد حاج حمد على أن أمن السعودية واستقرارها ليس منفصلاً عن أمن الأمة واستقرارها لان محاولة شراء “الأمن” من خلال التحالف مع القوى الخارجية على حساب قضايا الأمة (مثل فلسطين) هو وهم كبير، لأن تلك القوى هي نفسها التي تهدد الأمة.ان الأمن الحقيقي يكون بقيادة الأمة وتحريرها، وليس بالتحالف مع قوى الهيمنة ضدها.
الخلاصة النهائية والتحذير:
الكتاب هو تحذير استراتيجي مبكر من العواقب الوخيمة لاستمرار السياسات التقليدية المراوغة. وهو دعوة للقيادة السعودية لاختيار الطريق الصعب ولكن الضروري: طريق القيادة والمواجهة الحضارية بناءا علي المشروع الإسلامي، بدلاً من الانزلاق السلبي نحو التطبيع والتبعية تحت وطأة “القدر المحتوم”.
المفكر حاج حمد يرى أن السعودية أمام فرصة تاريخية لقيادة العالم الإسلامي، ولكن هذه الفرصة سريعة الزوال إذا لم تُستغل بجرأة وحكمة. الكتاب ليس هجومًا على السعودية، بل هو تحليل موضوعي ومخلص لمأزقها الاستراتيجي ومحاولة لتقديم رؤية للخروج منه نحو مستقبل أكثر أمانًا ومجدًا لها وللأمة كلها.
ملاحظة:
كتب حاج حمد هذا الكتاب في سياق زمني مختلف (قبل أحداث 11 سبتمبر والتغيرات الإقليمية الكبرى اللاحقة)، ولكن تحليله لا يزال صالحاً لفهم الجذور العميقة للضغوط والتحديات الاستراتيجية التي تواجهها السعودية حتى اليوم.
ان عبارة “لا حرب دون مصر ولا سلام دون سوريا ولا تطبيع دون السعوديه ” المدغمة تحت عنوان كتاب “السعودية وقدرية المواجهة ” يجب تقرأ عبر الجزئية أدناه ولا انفصام لها عن المقال وأفكاره المركزية.
جملة ” لا حرب دون مصر.. ولا سلام دون سوريا.. ولا تطبيع دون السعوديه”
هذه الجملة المفتاحية تتعلق بفكرة استراتيجية للمفكر الراحل، وليس بكتاب مستقل يحمل هذا العنوان بالضبط. هي أطروحة استراتيجية سياسية صاغها محمد أبو القاسم حاج حمد في سياق تحليله للصراع العربي الإسرائيلي وصناعة القرار في المنطقة، وليس عنوانًا لكتاب منفصل. غالبًا ما ترد هذه الأطروحة في محاضراته ومقالاته وفي ثنايا كتبه الكبرى مثل “العالمية الإسلامية الثانية”، حيث يحلل موازين القوى الإقليمية والدولية.
الفكرة المركزية للأطروحة:
تبني هذه المقولة على فكرة حاج حمد الأساسية عن “المراكز الثلاثة المستقلة للقرار” في العالم العربي، والتي تمثل كل منها ثقلاً استراتيجيًا لا غنى عنه في أي معادلة تتعلق بالحرب أو السلام مع إسرائيل. أي أن هذه الدول الثلاث هي أقطاب فاعلة وحاسمة، ولكل منها دور محوري ومختلف، ولا يمكن لأي مشروع إقليمي (سلمي أو حربي) أن ينجح بتجاهلها أو بإقصائها.
ملخص وتحليل مكونات الأطروحة الثلاثة:
1. لا حرب بدون مصر (مركز الثقل الاستراتيجي العسكري والديموغرافي). فالمبرر..تمتلك مصر أكبر جيش نظامي في المنطقة العربية، وأكبر قاعدة بشرية (عدد السكان)، وموقعًا جيوسياسيًا فريدًا يربط آسيا بأفريقيا ويطل على البحر المتوسط والبحر الأحمر. ان الدور: مصر هي “قلب الأمة النابض” و”مخزنها الاستراتيجي” من حيث القوة البشرية والعسكرية. أي حرب جماعية ضد إسرائيل مستحيلة عمليًا دون مشاركة مصر الفعلية، لأنها تمثل العمق الاستراتيجي والقوة الضاربة الرئيسية.تاريخيًا، كانت حروب 1948 و1967 و1973 شاهدة على هذا الدور المحوري.
· الاستراتيجية: إسرائيل والمشروع الصهيوني يدركان هذه الحقيقة، لذلك كان أحد أهدافهما الأساسية هو “إخراج مصر من المعادلة” عبر اتفاقيات سلام منفردة (كامب ديفيد) تعزل مصر وتفكك الجبهة العربية الموحدة.
2. لا سلام بدون سوريا (مركز الثقل الجيوبوليتيكي والمقاومة)
· المبرر: تمتلك سوريا موقعًا جيوبوليتيكيًا حاسمًا، فهي “قلب الشام” وموطن مشاريع المقاومة، وتشترك مع إسرائيل بأطول حدود وأكثرها إشكالية (هضبة الجولان المحتلة).فدور سوريا هي “حجر العثرة” في وجه أي تسوية سلمية مفروضة أو منفردة. بسبب موقفها التاريخي وطبيعة نظامها السابق (نظام الأسد) وارتباطها المباشر بفصائل المقاومة، فإن أي اتفاق سلام لا ترضى عنه سوريا سيكون هشًا ومهددًا. السلام الحقيقي والدائم يجب أن يشمل حل قضية الجولان ويرضي الطرف السوري، وإلا ستبقى جذوة الصراع مشتعلة.فكانت الاستراتيجيةهي محاولة إخضاع سوريا أو إضعافها أو تدميرها (كما حدث لاحقًا) كانت تهدف إلى “إسقاط آخر قلاع الممانعة” لتمهيد الطريق لتسويةاقليمية على النحو الإسرائيلي-الأمريكي. وللأسف تم تنفيذ مخطط التفتيت كاملا والقضاء علي قوة سوريا العسكريه وتفتيتها داخليا ( دروز- شيعه- علويين- سنه .. الخ) كما تم تحجيم دورها داخل لبنان بعد تفتيت وشل لبنان.. اي تم تحييد اهم دول الطوق( المقاومة والممانعه) ومن قبلها تحييد المملكة الاردنية الهاشميه باتفاقية سلام وادي عربه.
3. لا تطبيع بدون السعودية (مركز الثقل المالي والأيديولوجي والإسلامي).فالمبرر تمتلك السعودية ثقلًا ثلاثيًا:-
اقتصاديًا: ثقل مالي هائل بفضل النفط والاستثمارات العالمية.
دينيًا: مكانة روحية فريدة كقبلة للمسلمين وحاضنة للحرمين الشريفين.
سياسيًا: نفوذها كبير في العالمين العربي والإسلامي.
فالدور ان السعودية هي “محفظة الأمة” و”مرجعيتها الروحية” الرمزية. أي عملية تطبيع كاملة وشاملة مع إسرائيل ستكون غير ذات معنى أو شرعية دون موافقة السعودية ودعمها. التطبيع بدونها سيكون تطبيعًا لنخب حاكمة، (ولله الحمد والمنة اذ رفض خادم الحرمين الملك عبدالله رحمه الله رحمة واسعة التطبيع) لكنه لن يخترق المجتمع العربي والإسلامي الأوسع الذي لا يزال يرى في القضية الفلسطينية قضية مركزية.
لذلك كان الهدف الاستراتيجي للغرب وإسرائيل هو “كسب السعودية” أو إقناعها بقبول التسوية، مما سيمنح التطبيع غطاءً ماليًا ودينيًا وسياسيًا يجعله مقبولاً على نطاق أوسع.
الخلاصة النهائية والرؤية الاستراتيجية:
من خلال هذه الأطروحة، كان حاج حمد يحذر من استراتيجية “التفكيك” الإسرائيلية-الغربية التي تهدف إلى:
1. عزل مصر عسكريًا (بسلام منفرد).
2. تحييد سوريا جيوسياسيًا (بالتدمير أو الإخضاع).
3. استمالة السعودية أيديولوجيًا وماليًا (بالإغراء والضغط).
وبالمقابل، كان حاج حمد يرسم خريطة الطريق لأي مشروع تحرري أو مقاوم، والذي يجب أن يعيد بناء وتحالف هذه المراكز الثلاثة المستقلة للقرار لمواجهة المشروع الصهيوني بشكل فاعل.
ملاحظة مهمة: هذه الرؤية كانت سائدة في التحليل الاستراتيجي في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. لقد تغيرت الكثير من المعطيات الجيوسياسية اليوم (مثل توقيع اتفاقيات تطبيع منفردة من قبل بعض الدول، والحرب على سوريا واليمن، والتغيرات في السياسة السعودية)، لكن الفكرة المركزية لحاج حمد تظل صالحة لفهم الأسس الاستراتيجية العميقة لموازين القوى في الصراع، وكيف أن إضعاف أو تحييد أي من هذه الأقطاب كان شرطًا أساسيًا لنجاح المشروع الصهيوني في المنطقة.




