مقالات
ما عُرِف من الحرب بالضرورة
علي عسكوري:
بحلول أكتوبر القادم تكمل الحرب عاما ونصف العام، وهي فترة تعتبر قصيرة نوعا ما بالمقارنة بواقع الحروب التي تدور حولنا (اليمن، سوريا، ليبيا).
من نافلة القول أن لا أحد يستطيع التنبؤ بنهاية الحرب بعد وقعوها ولا الكيفية التي ستنتهي بها.
رغم ذلك الآن هنالك إمكانية حقيقية لحسم الحرب الحالية بالنظر للوقائع الماثلة وماكنيزمات الصراع وتهالك المليشيا وضعفها البائن وتبخر هدفها الأساسي للسيطرة على السلطة والدولة ومن ثم إعلان مملكة العطاوة (الأمركراتية) ومن ثم يتحول كامل الشعب لسخرة خدمة للعطاوة وأسيادهم الأمركراتيين.
لم يعد هناك أدنى شك أن القوات المسلحة وقوات جهاز الأمن والمستنفرين قادرين تماما على هزيمة المليشيا وحسم الحرب وكسبها ودحر المليشيا وأعوانها وأذيالها، رغم ذلك تبقى هنالك عدة محاذير أعتقد من الضروري أخذها في الحسبان.
أول هذه المحاذير هو أننا قطعنا الشك باليقين أن الحرب في جوهرها عدوان خارجي على بلادنا وما المليشيا إلا أداة تنفيذ أوكل لها القيام بأعمال القتل والنهب والسلب وما إلى ذلك من جرائم لا يقوم بها إلا مجرمون محترفون.
إذا، لم يعد هناك أدنى شك أن الإمبريالية هي التي تشن الحرب وتمولها من خلال أدواتها وآلياتها المحلية والإقليمية.
نعلم الآن أن بعض الدول أصبحت مجرد خادم في بلاط الإمبريالية وإن رفعت مائة علم، يأمرونها فتذهب شرقا وغربا لتعيس في الأرض الفساد وتنشر الجريمة والفساد. كثيرة هي المواقف التي كشفت عن تواطؤ الإمبريالية ووكلائها مع المليشيا إبتداء بمجلس الأمن ومنظمة إيقاد ومثل الإمبريالية في القارة (الإتحاد الإفريقي) وما كشفته اجتماعات جنيف.
سمعنا أيضا عن شراء الذمم واسع النطاق الذي طال العديد من رؤساء دول غرقت في وحل العمالة لاستهداف بلادنا.
لم يأت استهداف الإمبريالية لبلادنا من فراغ، علينا أن نتذكر أنه أصبح في حكم المحتوم أن تواجه الإمبريالية والإقتصاد الرأسمالي كسادا كبيرا العام 2030، ستكون للكساد حسب كل التوقعات تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة على الغرب عامة. لذلك، الراجح أن الإمبريالية وفي محاولتها تخفيف وقع كارثة الكساد وتلافيها تبحث عن موارد طبيعية لتحريك اقتصادياتها، والسودان دون شك أحد البلدان الغنية بالموارد خاصة الزراعية والمعدنية ووضع اليد علي هذه الموارد الضخمة واستغلالها قبل حلول الكساد سيحل مشاكل كثيرة للإمبريالية ليس اقلها توفير مئات الآلاف من فرص العمل وتدوير بلايين الدولارات من رؤوس الأموال المكدسة في البنوك.
لقد انتهت ثورة الإتصالات التي ضخت دماء مهمة في شرايين الرأسمالية، ومن جديد عادت الرأسمالية لتواجه ازمتها القديمة المتجددة!
ثانى المحاذير وهو أهمها، أن الإمبريالية لن تقبل بإن يحقق الجيش نصرا باهرا، فالإمبريالية أخبث مما يتصور الناس، وستظل تدفع بالعتاد والمؤون عبر وكلائها حتى لا تتوقف الحرب. وكما نعلم من التاريخ البعيد والقريب أن نهج الامبريالية عبر التاريخ كان قتل القتيل والسير في جنازته، أو نهب الشعوب وإفقارها ثم التبرع لها بالإغاثة.
ما تخشاه الإمبريالية من انتصار الجيش هي النتائج التى تتبع الإنتصار ومن ثم ،تحول السودان الي دولة منتصرة ومهابة، وهو أمر سيكون له تبعات اقليمية مجلجة. فانتصار الجيش سيغض مضاجع واضعي استراتيجياتها، لقد حسبوا واعدوا لكل شىء عدته ما عدا انتصار السودان. فانتصارنا أمر سيصعب علي الإمبريالية واذيالها مضغه، دعك من ابتلاعه وهضمه. لكل ذلك ستصر الإمبريالية علي إجراء مفاوضات سياسية لتمارس علينا ضغوطا لاتملك مقوماتها حفظا لماء وجهها وماء وجه عملائها واذيالها.
أعتقد ان الموقف من الإمبريالية وكيفية التعامل معها لإنهاء الحرب يحتاج الي كثير من التداول والنقاش في الكواليس وغرف صنع القرار.
في عام 1961 قال الرئيس الروسي الأسبق خرتشوف مخاطبا قادة حلف (وارسو) في اجتماع خاص:
“I wish we could give imperialism a bloody nose”.
دون شك، لقد أدمي السودانيون في هذه الحرب أنف الإمبريالية كثيرا وسالت دماء وكلائها بغزارة! لذلك علينا ألا نعتقد ان الإمبريالية ستذهب بأنفها الداميّ وتتركنا لحالنا، بل علينا التحوط للأسوء فالمؤامرات لن تتوقف! فالهدف النهائي لهذه الحرب هو إقتلاعنا كسودانيين (بكل توجهاتنا الفكرية لافرق) من أرضنا. و لأن معركتنا معركة وجود وجب علينا ان نثبت للعالم اننا نستحق الأرض التي نعيش عليها وقادرين علي الدفاع عنها. فالامبريالبة تعلم قبل غيرها ان شهدائنا في هذه الحرب وما سبقها من حروب رووا الارض بدمائهم الطاهرة وما ابقوا، و ماتزال ارتالهم تتقدم غير واجفة. التضحية والفداء هما ما يخيف الامبريالية ويرعب أذيالها وعملائها.
أما ثالث المحاذير فهو ضرورة الإقرار بأن تركيبة الدولة الحالية دستورا وقوانينا ومؤسسات خاطئة لم تستوعبنا ولم توفر لنا الإستقرار الذي ينشده الجميع وتضررت جميع مكونات المجتمع منها، الغني والفقير، الأفريقي ومدعي العروبة المتعلم والأمي، حتي لم يبق فرد او مجتمع لم تطاله الكوارث والمآسي التي تسببت فيها التركيبة والبنية الخاطئة للدولة. و لأن التركيبة الخاطئة للدولة تسببت في ان تنهمك الدولة في حروب لا حصر لها اصبحت بلادنا نهبا لكل من هب ودب من مليشيا وجنجويد ومرتزقة وكثيرين غيرهم ” وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم” الآية – الأنفال.
و للخروج من “المأزق التأريخي” (المصطلح صكه الراحل محمد ابوالقاسم حاج حمد) اصبح من الواجب علي المفكرين والمثقفين الوطنيين البحث بهمة خارج الصندوق عن توليفة توفر العيش الكريم لما بقي من اجيالنا وللاجيال القادمة فالماضي درسته قوي التاريخ وذرته رياح التغيير وجاء الوقت الذي يجب ان يتخلص فيه الجميع من أوتاد الآيدولوجيات والتفكير فيما ينفع الناس ويوفر الأمن والسلام والإستقرار. و ذلك يتوجب علينا ان نجلس جميعا لنبحث عن نظام حكم يستوعبنا و ان نركم جانبا كل الماضي الذى سبق الحرب، حادينا في ذلك اننا وعينا دروس الفشل وان نتعاهد أن هذه الحرب هي آخر الحروب في بلادنا، وليتذكر الناس أن للأجيال القادمة علينا حق ويجب الا نورثهم الحطام.
الأفضل لنا الخروج من حالة (دريد بن الصمة)
وان نرشد ان غوت غزية لا ان نغوي معها وقد غوينا كثيراً ولم ترشد غزية مطلقا.
أواصل..
هذه الأرض لنا
نشر بصحيفة اضواء بتاريخ ٩ سبتمبر ٢٠٢٤