مقالات
هذا هو الحَل
لواء شرطة (م) : د.إدريس عبدالله ليمان:
للمشير طنطاوى عبارة شديدة الصدق والوطنية بَثَّت الطمأنينة فى نفوس الناس وظَلَّت منقوشة فى الذاكرة المصرية قالها فى لحظات الإرتباك الشديد التى صاحبت إندلاع ثورة ٢٥ يناير : ( مصر لم ولن تسقط) انتابتني تلك الروح كغيري من المشفقين ونحن نَتَتَبَّع الأزمة التى تعيشها بلادنا منذ الخامس عشر من أبريل بإعتبارها من أخطر الأزمات وأدَقَّها، وإستثنائية فى أحداثها ووقائعها وتفاصيلها، أزمة فَرَضَت نفسها على واقع لا يخضع لحسابات العقل ويصعُبُ معه التنبوء بما هو آتٍ ، لاسيما أنَّ بعض الانتهازيين من أدعياء السياسة قد تَسَلَّقوا أكتاف الشباب الصادق فى ثورته التى كانت من أجل الرفاه والحياة الآمنة فى ظَنِّهم ، وفى التغيير الإيجابى الذى أرادوه بعد أنْ مَلَّوا وجوه الحُكَّام لعقود ، وليس من أجل الخراب والدَّمار .. فسرق أولئك الساسة ثورتهم وقادوا البلاد إلى حَدَّ الأزمة (عسكرهم ومدنيهم على السواء) .. وهذا الفَشَل المُريع بكلفته العالية تلك دفع ثمنه المواطن المسكين من أمنه وإستقراره ، وإستَغَلَّه المُتربصون ببلادنا وإستثمروا فيه.
ومنذ ذلك التأريخ إزدادت أوجاع السودان وإشتَدَّتْ أزماته ، وتداعى عليه أرازل الناس ، وإستوطنت مدُنُه وقراه وبواديه كلاب الصحراء وجِرَاءِها تنهشُ فى عِرضِ أهله بِلا رحمة .. وظَلَّت عُيونَ الغَدرِ والخِيانة مِنْ عُملاء المليشيا تَرقُبنا مِنْ بعيدٍ ومِنْ قريب تُفَتِشُ فى الدُورِ وفى الضمائر وتَرسِمُ خرائِطَ لمواطن الضعف والهشاشة فى مؤسسات الدولة وفى ممتلكات المواطنين وتقديمها عُربون صداقة ومحبة للمليشيا لإستباحتها حتى تآكَلَتْ طبقاتنا الأخلاقية وكِدنا أنْ نفقد سودانيتنا بل إنسانيتنا بسوء صنيع أولئك الخونة الذين يُريدون لبلادنا أن تفقد إرادتها وتتلاشى هويتها وتأريخها ، ويُباركون إنتقاص جُغرافيتها طمعاً فيما عند الباغى الشقى من ( أصفر لامع وأخدر يتحَرَّنْ ) .
والحقيقة المؤلمة والموجعة فى هذا المشهد السيريالي هذا الخُنوع القَسرِى من أهل المدن والأرياف والإستسلام لجرائم المليشيا وكل ما تمارسه عليهم من آليات القهر والإستبداد لعدم وجود النصير الحكومى والسلاح بأيديهم ، ومن ثم حمل ما تَيَسَّر من متاعٍ على رؤوسهم فى أسوأ مشاهد الإذلال التى لم يروا ويقرأوا مثلها إلاَّ فى مُدَوَّناتِ التأريخ .. والحقيقة الأكثر إيلاماً ووجعاً أنَّ قضية الأمن القومى السودانى تاهت ملامحها مع حالة الحرب وحالة اللادولة التى نعيشها .. فالخطر لم يَعُد مِنْ قِبَلِ المليشيا فحسب بل من حدودنا المفتوحة ..!! فبعضُ جِيراننا لديهم أهداف ومطامع فى بلادنا لمصالحهم ولأسيادهم بالوكالة .
وأقول لصديق عُمرى الإعلامى المتميز كمال سويكت الذِّى عاتبني قائلاً : ( أراك تُكثِرُ مِنْ التوصيف ولا تُقَدِّم الرؤية للحَلِّ ..!! ) إنَّ الأولوية فى هذه المرحلة إستعادة الدولة مِنْ مُحاولةِ الإختطاف ومِنْ ثَمَّ إستعادة الأمن الإجتماعى والإقتصادى والسياسى وإعادة إعمار ما دمرته المليشيا ولا أقول ما دمرته الحرب حتى لا تُصبِح بلادنا خارج الزمنْ .. وهذا التَحدِّى يحتاج إلى قادة حقيقين لديهم رؤية وقدرة على إدارة الدولة وسِيَاسَةِ النَّاس بوعىٍ وإقتدار ، ولديهم القدرة على إدارة المعركة والجُرأة على إتخاذ القرارات المصيرية فى إطار أخلاقى نابع من المسئولية المُلقاة على عاتقهم .. وقبل كُلِّ ذلك الوعى بقيمة هذا الإنسان السودانى صانع المعجزات وقُدرته على التغيير ، والوعى بقيمة هذا الوطن العظيم وقُدرته على الصمود .. وهذا هو الحَلُّ يا صديقي.
حَفِظَ الله بلادنا وأهلها من كل سوء.