مقالات

عام ونصف العام والجيش صامد

النذير إبراهيم العاقب:

عام وسبعة أشهر بالتمام تمر اليوم على إندلاع الحرب في السودان، والتي بالضرورة قضت على الأخضر واليابس في جل أنحاء البلاد، وذلك بفعل الفظائع الكبرى والانتهاكات الواسعة لمليشيا الدعم السريع، والتي بالطبع لم تقاتل بشرف، وإنما إنتهكت كل الحرمات وعاثت فساداً في كل القرى التي غزتها، والتي بالضرورة هي خالية تماماً من الوجود العسكري لقوات الشعب السوداني المسلحة والتي تقول المليشيا الإرهابية المتمردة أنها تحاربها، والحق أنها تحارب المواطن المسكين وتنتهك أعراضها وتنهب ثرواته وتغتصب حرماته.
وليؤ من شك أن المليشيا بهذا تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها ستتقبل حقيقة فشلها في الاستيلاء على السلطة وتوقف مغامرتها عند ذلك الحد، لاسيما وأنها مليشيا خارجة عن القانون، حاولت الانقلاب والسيطرة على السلطة وفشلت أمام صخرة الجيش العنيدة، وتلقت إثر ذلك ضربة في صميم عظمها العسكري والإداري أفقدتها القيادة والسيطرة وبرهنت لها بوضوح إستحالة الإنتصار. والمنطقي والأخلاقي هو أن لا تتمادى مليشيا الدعم السريع المتمردة أكثر وتتقبل حقيقة الفشل وتتحمل المسئولية كاملة عن ما أحدثته من خراب ودمار شامل، ذلك لو أنها كانت قوة وطنية بالفعل وقلبها على البلد والشعب.
وما حدث أيبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الدعم السريع مليشيا إرهابية متفلتة قامت بمحاولة إنقلاب على السلطة وتم التصدي لها من قبل القوات المسلحة السودانية وتوجيه ضربة قاصمة لها قضت على أكثر من 75% من القوة التي بدأت بها الحرب في الرابع عشر من أبريل 2023م.
ولكن ما حدث بعد ذلك هو أن هذه القوة تحولت إلى مليشيا مسعورة منفلتة تقاتل بلا أي سقف أخلاقي أو وطني أو إنساني، إنتشرت في الأحياء والقرى السكنية وفي المرافق الخدمية وبدأت في عمليات سرقة ونهب واغتصاب وقتل واحتلال للبيوت وتهجير أهلها واتخاذها ثكنات عسكرية.
فإذا كان هذا هو الإنتصار والسيطرة، فقد انتصرت مليشيا الدعم السريع بالفعل وسيطرت وما تزال توالي انتهاكاتها وإنتصاراتها على الشعب.. فقط.. إلى اليوم في قرى الجزيرة والنيل الأبيض وكردفان ودارفور، والحق أنها لم تنتصر في الميدان العسكري البتة، ولم ولن يحدث ذلك على أرض الواقع، لاسيما وأنه قد صمد الجيش وتصدى لموجات الهجوم العاتية على مقراته واستطاع تدمير جزء كبير من متمردي المليشيا المهاجمة وأفشل المؤامرة تماماً.
ولكنه، أي الجيش، وجد نفسه لأول مرة أمام حرب لم يتوقعها من قبل، حرب وسط المدن والأحياء السكنية وفي قلب العاصمة والقُرَى.
صمدت القيادة العامة وصمد سلاح الإشارة وسلاح المدرعات ومصنع الذخيرة وسلاح المهندسين ووادي سيدنا وكل كتائب الولايات والأقاليم والقوات النظامية الأخرى والمستنفرين والمشتركة وغيرهم وقدموا المئات من الشهداء.
وبعد أن استيأست المليشيا من الانتصار على الجيش والسيطرة على العاصمة قامت بنقل الحرب إلى الأقاليم، إلى مناطق أكثر ضعفاً يمكنها من خلال إجتياحها ونهب ثرواتها الاعتقاد بأنها حققت انتصارات سهلة على القوات المسلحة السودانية الحرة الباسلة.
وعلى الرغم من مرارة بعض الهزائم وكل ما تقوله عن وضع الجيش، إلا أنها تؤكد حقيقة حاسمة وهي فشل المليشيا في معركتها الأساسية التي لو كانت نجحت فيها لما إحتاجت إلى توسيع نطاق الحرب داخل القرى والأرياف وإستهداف المواطن المسكين.
والثابت حقاً أن المليشيا فشلت في إسقاط قيادة الجيش، وفشلت حتى في حصارها، كما فشلت في إسقاط معسكرات المهندسين والمدرعات وغيرها، ولقد صمد الجيش وامتص الصدمة بعزيمة الأبطال وتضحياتهم، لتبدأ بعد ذلك مرحلة الإنتقال من الدفاع إلى الهجوم وتحول اتجاه المعركة.
ولعل مرحلة الدفاع الطويلة التي خاضها الحيش لم تكن مجرد مرحلة سلبية، فخلالها تم إستنزاف معظم قوة المليشيا التي تحولت من قوات شبه نظامية إلى مليشيات من المرتزقة من الأجانب والفزع القبلي، ومجرد لصوص ومجرمين وقتلة بلا أي قضية.
لتأتي الكلفة الكبيرة التي دفعها الشعب السوداني، ولم تكن بسبب الحرب بالطبع، ولكن بسبب جرائم مليشيات الدعم السريع الشنعاء التي يمكن بالتالي إدراجها في خانة جرائم الحرب.
وهذا هو الميدان الذي خسرنا فيه، خسر فيه الشعب وانتصرت فيه مليشيا الدعم السريع ومن يقف خلفها، بنجاحها في تشريد المواطنين وقتلهم والتنكيل بهم بشتى الصور، ولكنها لم تهزم الجيش والشعب السوداني عسكرياً ولن يحدث ذلك ولو بقى رباط البوت فقط يقاتل في صفوف الجيش السوداني.
فشلت المليشيا في أهم هدف للحرب وهو تدمير العدو،
وصمد الجيش وإزداد قوة وإنتقل خلال عام من الحرب إلى الهجوم وحصار المليشيات ومطاردتها في كل السودان من دارفور إلى الخرطوم إلى الجزيرة وحيثما هربت سيلحق بها ويسحقها.
وبعد عام ونيف من الحرب أصبحت الآن الصورة واضحة وكاملة، شعب وجيش يقاتلون في جهة، وخونة ومرتزقة ومجرمين في الجهة الأخرى.
ولا أحد في السودان يتمنى أن تدخل مليشيا الدعم السريع إلى مدينته أو قريته، اللهم إلا إذا كان لصاً يريد أن ينهب أو حاقداً يتمنى أن يرى المواطنين وهم يتعرضون للنهب والقتل والاغتصاب والتشريد، لأن هذا هو ما تقدمه المليشيات وما يريده جناحها السياسي قحت تقزُّم العملاء الخونة الجبناء نكبة وسُبَّة السودان.
ولقد خسر الشعب السوداني الكثير في هذه الحرب، ولكنه كان سيخسر أكثر لو إنكسر الجيش وإنهزم، كان سيخسر كل شيء بما في ذلك أي أمل في المقاومة والخلاص.
عام ونيف مضت من الحرب، الكثير من الخسائر والمآسي والموت والدمار، ولكن هناك أيضاً الكثير من القوة والتقدم والإنتصار والأمل في مستقبل أفضل.
والآن، لم يعد هناك خوف من الهزيمة أو شك في الانتصار، ولم نعد نسمع أو نفكر في عدم قدرة الجيش أو في ضعف إمكانياته ولا في قلة جنوده، لم نعد نشك في وجود عدد كاف من المشاة لمواجهة أرتال الجنجويد التي كانت تهاجم معسكرات الجيش وأسلحته الأساسية.
فالجيش الذي كان محاصراً في مقراته قبل عام ونيف وقيادته محاصرة يتحرك الآن في كل مكان، لا تعرف المليشيات المشتتة، متى ولا أين ولا كيف سيوجه لها الجيش الضربة القادمة، ويعمل الجيش الآن مثل ماكينة ضخمة لها إستراتيجية شاملة وخطة لكسب الحرب وإنهاءها بنصر ساحق، بينما تلاشت المليشيا وإنهزمت شر هزيمة، وأصبح قادتها بين هارب ومختفي ومطارد ومحاصر أو مقتول أو مأسور، أما جنودها فهم مجرد أوباش قتلة ولصوص ومجرمين لا يجمعهم شيء سوى الإجرام والخوف من المسيرات.
عام ونيف من الصمود، تخللته ملاحم وبطولات أسطورية سطرها أبطال الجيش والمجاهدين في بيت الضيافة وفي القيادة العامة والمدرعات والمهندسين في بحري والكدرو والأبيض ونيالا وبابنوسة وغيرها، وحتماً منتصرون بإذن الله، ونسأل الله أن يتقبل الشهداء من قواتنا المسلحة ويشفى الجرحى. وقريباً بإذن الله ستضاف إليها انتصارات وشيكة في الجزيرة وفي الجيلي وفي دارفور وكردفان وفي العاصمة.
عام ونيف من الحرب، ولو عدنا إلى ١٤ أبريل ٢٠٢٣م ألف مرة، فلن يكون أمامنا من خيار سوى.. (بل بس).
ولا مجال للقبول بأوباش آل دقلو وقحت تقزُّم العملاء الخونة نكبة وسُبَّة السودان الجناح السياسي لمليشيا الدعم الصريع المتمردة في مستقبل العمل السياسي والعسكري بأي حال من الأحوال.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق