مقالات

مقاومة الإمبريالية تتوسع

علي عسكوري:

استخدمت روسيا امس الأول حق النقض ضد مشروع قرار في مجلس الامن تقدمت به المملكة المتحدة وسيراليون. سقط- على ضوء ذلك- خطة الغرب لاعادة استعمار السودان وفرض الوصاية عليه تحت مبررات حماية المدنيين وتوصيل الاغاثة. تري من منا لا يعلم سجل الغرب في حماية المدنيين! هل بإمكانهم اعطائنا مثالا واحدا لحمايتهم للمدنيين. ما تزال جرائم سبرينيتسا وخذلان القوات الهولندية – التى كانت ترفع علم المتحدة – للسكان باقية في ذاكرة الجميع..! وما تزال تجربة يوناميد في دارفور ماثلة، فلماذا يا ترى يريدون تكرار نفس الفشل.

ان الحرب التى تدور في السودان في جوهرها حرب امبريالية بامتياز. يتضح ذلك جليا من غضهم النظر عن تسمية من يرتكبون الجرائم في المدنيين، وتجاوزهم لادانة دولة الامارات ومطالبتها بوقف دعمها للمليشيا بالسلاح. ان حماية المدنيين تبدأ اولا بوقف امداد السلاح للمليشيا. هذا هو المدخل الصحيح و اسهل من اى اجراء اخر. ولكن لان المليشيا هي مليشياتهم تأتمر بامرهم فهم يهدفون الى ان تخلق لهم المليشيا الاوضاع الضرورية على الارض بارتكاب اكبر قدر من الجرائم ضد المدنيين حتى يتمكنوا من تنفيذ خطتهم في اعادة استعمار بلادنا من خلال الزعم انهم بصدد حماية المدنيين.
اشرنا اكثر من مرة الى قول الفيلسوف الراحل كارل ماركس ان الامبريالية تعتمد في استمرارها على الحروب. لذلك فالحرب في اوكرانيا والسودان حروب ضد الامبريالية والهيمنة، اى ان الدولتين يقاومان عدوا واحدا، ولذلك جاء استخدام روسيا لحق النقض منطقيا تماما.

ان ما لا تفهمه الامبريالية هو انها لم يعد بإمكانها الاعتماد على آليات القرن التاسع عشر (حق الفتح) للسيطرة على الشعوب.
يمكننا ان نشير الى احد الآليات الجديدة التى تبنتها الامبريالية مؤخرا لخداع الافارقة وهو (الترميز التضليلي) الذى بدأ اتباعه- ان جاز لنا ان نستلف من مصطلحات المركز والهامش.
فرئيس امريكا من اصول افريقية، وسفيرة امريكا في الامم المتحدة من اصول افريقية، ووزير خارجية بريطانيا من اصول افريقية ورئيس وزراء بريطانيا السابق من اصول هندية، ورئيس وزراء اسكتلندا السابق من اصول باكستانية،بل اكثر من ذلك ان زعيمة حزب المحافظين البريطانى الجديدة من اصول افريقية الغريب انها حصلت على الجنسية بالتجنس (جات انجلترا في مرحلة المراهقة)! ترى هل انعدم جنس الانجلوساكسون..!

كان موسفا ان نشاهد في تلك الجلسة وزير خارجية وسفيرة من اصول افريقية يتحدثان بلسان ومصالح الانجلوساكسون بجراءة يحسدهم عليها الانجلوساكسون انفسهم. فقد بلغت بهم درجة الاستلاب حد التماهي تماما.

لقد انتهي عهد الاستعمار المباشر وجاء بعده عهد الاستعمار الاقتصادى فتم ربط اقتصاديات الدول الافريقية باقتصاديات الغرب لتكون تابعة له. وكما ذكر الكثيرون فإن الرفاهية في اوروبا – ما عدا قلة من الدول غير الاستعمارية- تساوى حجم الموارد التى نهبت من افريقيا..! بمعنى آخر فثراء تلك الدول يعادل حجم الفقر في افريقيا.

اكثر ما تخشاه الامبريالية من الفيتو الروسي ليس خسارتها لحربها في السودان، بل الخوف من ان يرفع ذلك الفيتو مع مقاومة السودان للامبريالية الوعي التحرري عند شعوب افريقية اخري تراقب ما يجري ويبحث احرارها عن طريقة للخروج من ربقة و هيمنة الامبريالية على اقتصاد بلادهم لدرجة التعبية. لأن من شأن ذلك الفيتو ان يعزز ثقة الاحرار في القارة ان مقاومة الامبريالية امر ممكن ان صحت العزيمة واشتد التصميم.

اتوقع ايضا ان يحدث ذلك الفيتو هزة في الاتحاد الافريقي وقيادته المتآمرة مع الامبريالية، خاصة بعد ان اسقط الفيتو المؤامرة الامبريالية على السودان.

الامر الآخر الذى تخشاه الامبريالية هو الوعي التحرري المرتفع عند الشعب السودانى وقوة شكيمته ورفضه للاستعمار. فالشعب السودانى خلافا لكثير من الشعوب الافريقية قوي العارضة في مقاومة الهيمنة الامبريالية وملهم لكثير من الشعوب الافريقية التى ترزح تحت الهيمنة وتعيش في فقر مدقع رغم ثراء ارضها.

استخدام روسيا لحق النقض ليس امرا جديدا، فقد كانت روسيا الشيوعية نصيرا ثابتا لكل حركات التحرر الافريقية. اكثر من ذلك قدمت روسيا مئات الالاف من المنح الدراسية لابناء افريقيا للدراسة. فى حقيقة الامر فالشعوب الافريقية مدينة للشعب الروسي لوقفاته الثابتة ودعمه لها في قضية التحرر، ذلك امر يجب على احرار افريقيا استحضاره على الدوام. ما يجدر ذكره انه لولا دعم الشعب الروسي لحركات التحرر الافريقية ربما ظلت بعض الشعوب تحت الاستعمار لعقود طويلة.
يجب على الشعوب الافريقية- خاصة نحن في السودان- الا ننكر افضال الشعب الروسي علينا.
هذا لا يعنى معاداتنا للشعوب الاوروبية، غاللكثير من تلك الشعوب علاقات طيبة مع بلادنا، انما نرفضه هو السياسية الامبريالية التى تمارسها النخب المسيطرة في القارة التى لا تزال تتصرف بعقلية استعمارية عفي عليها الزمن.

مما تجدر الاشاره له ان روسيا لم تستعمر اى دولة افريقة، رغم ذلك ظلت على الدوام تقدم للشعوب الافريقية ما استطاعت.

ان ما نشهده اليوم من حروب امبريالية ومن مقاومة لها سيكون له نتائج بعيدة المدى ستخلخل اسس الهيمنة الاقتصادية التى تمارسها الامبريالية على الشعوب. سيقود ذلك لا محالة الى ازمات اقتصادية واجتماعية في اوروبا ولو بعد حين. فكلما تحررت افريقيا من الهيمنة الاقتصادية كلما تراجعت الرفاهية في اوروبا، لان العلاقة عكسية. وما نشاهده الان في دول الساحل الافريقي وفي السودان في جوهرة بداية لتراجع هيمنة الامبريالية.
ما يشاهده الناس حاليا من قتل وتشريد لاهل الجزيرة ليس صدفة، انما الغرض هو السيطرة على المشروع، لان السيطرة على تلك الاراضي الزراعية الواسعة واستغلالها هو اعلى اولويات الامبريالية. ولذلك فما تقوم به المليشيا يتم بتوجيه من الامبريالية التى تهدف لوضع يدها على المشروع (راجع تاريخ امريكا وابادة الهنود الحمر واقتلاعهم من ارضهم).

المخرج الوحيد من مأزق الامبريالية هو الغاء الديون عن الشعوب الافريقية وانهاء الهيمنة الاقتصادية عن طريق الانظمة العميلة والبحث عن علاقات اقتصادية منصفة للجميع.
من السخرية الحامضة ان الامبريالية نهبت موارد افريقيا، ثم استدارت واعادت تقديم نفس الموارد المنهوبة لافريقيا في شكل قروض ومن ثم طالبتها بتسديدها..! ذلك هو واقع عالم اليوم. يعنى (ينهبك ويدينك) ما نهبه منك ويطالبك بالسداد بفوائد.

ما تعلمه الامبريالية وتتنكر له هو ان السودانيين لا يحتاجون الى اغاثة ابتداء، انما يحتاجون لوقف هجمات المليشيا على المدنيين ولن يتم وقف الهجمات الا بوقف تزويد المليشيا بالسلاح.

ليتذكر الناس ذلك الفيتو الروسي، فقد فتح صنوق بندورة لقضايا تاريخية كثيرة ستجد الامبريالية نفسها مضطرة للجلوس والتفاوض حولها.

شكرا روسيا

هذه الأرض لنا

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق