مقالات
الصادق محمد أحمد يكتب: الهالك حميدتي و امبراطوريته الزائلة
(قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا)
الجاهل، ذاك الذي يعيش في ظلال الوهم، معتقداً أنه سيد نفسه وعالم بأمور دنياه، هو في الحقيقة أكبر أعداء نفسه. يطارد السراب في كل خطوة، يظن أنه على حق بينما الحقيقة تغيب عن ناظريه. هو كمن يسير في طريق مظلم دون مشعل نور، يختار القرارات دون تفكر، ويندفع إلى الأمام دون أن يحسب للوراء حسابا.
كيف يمكن لإنسان أن يعيش دون أن يقف وقفة تأمل؟
دون أن يحسب حساب عواقب تصرفاته؟
الجاهل لا يزن الأمور بموازين الحكمة، يطلق لسانه بلا قيود ويخطو قدميه بلا وعي، ليجد نفسه فيما بعد محاصراً بنتائج أفعاله. هو كمن يزرع الرياح، و لايحصد سوى العواصف. كم من فرصة أهدرها ؟ وكم أساء لمن أحسن إليه؟ فقط لأنه لم يفكر لحظةً فيما قد يتركه خلفه من أثر .
الأشد قسوة من الجهل هو إنكار الجميل. اليد التي امتدت لك في أحلك الظروف، التي أمسكت بيدك حين تاهت بك الحياة، تتحول في عينيك إلى عدو بمجرد أن تقف على قدميك. تعض تلك اليد الناعمة التي أطعمت جوعك، وتُدير ظهرك لمن أضاء لك الطريق ووقف الى جانبك ، وغفر خيانتك، و شد من آزرك و برى سلاحك فكان هو اول من وجهت هذا السلاح الى صدره، هل هذا جزاء الإحسان؟ ، ألا تعلم أن من ينكر الجميل يُلقي بنفسه في ظلمات الوحدة؟ ألا تُدرك أن الجحود لا يُنبت سوى الندم، وأن الوفاء هو الجسر الوحيد الذي يربطك بالقلوب؟
عندما لا تُحسِن تقدير قوة من تُحارِب ، و تستهين بمقدراته و إمكانياته لأن جانبه كان مأموناً لديك فهذا قمة الجهل ، لأنه عندما تفيق على الحقيقة وعلى رعونة ما ارتكبته من أفعال يكون الزمان قد ولى بلا رجعة ، ووقتها لن يُفيد البكاء على الحليب المسكوب فتكون الحسرة والضياع هما المصير، وعض الأصابع ندما و التمني أن يعود الزمان لإصلاح ما أفسدته بيدك، ولكن هيهات فمامضى لا يعود .
الجاهل حين يضيف الغرور إلى جهله، يصبح خطراً على نفسه وعلى من حوله. يظن أنه يعلم كل شيء، بينما هو لا يدرك إلا القليل. يلبس قناع العارف، ويتحدث بثقة فارغة، ثم لا يلبث أن ينفض الناس من حوله، لأنهم يرون خواء روحه تحت ذلك القناع. كم هو مؤلم أن ترى من يعتقد أنه في قمة المعرفة وهو غارق في وحل الجهل!
إنّ مصير الجاهل واضحٌ كالشمس في رابعة النهار. إنه السقوط المدوي، النهاية الحزينة التي يصنعها بنفسه. ليس لأن القدر يعانده، بل لأن جهله وغروره وجهود الآخرين التي أهدرها تجرّه إلى الهاوية. كل خطوة خاطئة يخطوها، كل جحود يبديه، كل كلمة فارغة ينطق بها، هي مسمار جديد في نعش مستقبله. وحين تسدل الحياة ستائرها، لن يجد بجانبه أحدًا ليشد على يده، لأنه هو من فرّط بكل شيء.
أيها الإنسان، كن حذرًا من أن تكون عدو نفسك. لا تنكر المعروف، ولا تتجاهل عواقب تصرفاتك، ولا تدع الغرور يعميك عن حقيقتك. تذكّر أن الحكمة ليست في كثرة الكلام، بل في التوقف لحظة والتفكر. فالإنسان العاقل، هو من يدرك جهله، ويسعى ليتعلم، ويُثمن النعم التي أُحيط بها، ويزرع الخير حيثما حلّ.
كن صديق نفسك قبل أن تكون عدوها.