مقالات

ظِلَّ الأقزام إلى زوال..

لواء شرطة (م): د.إدريس عبدالله ليمان:

يُروى أنّ إعرابياً جاء إلى مَنهَلٍ على بعيرٍ وَضَعَ عليه حِملاً من شِقّين أحدهما فيه متاع والآخرُ حجارةٍ وتُراب .. فقال له قائل غيِّر الوضعية وأقسِم الأمتعة بين الشِقّين كى تَخِفَ الحُمولة على البعير فإمتثل رأيه وطبّق ذلك ثُمّ سأله عن إسمه فأجابه ، ثُمّ سأله مرةً أخرى هل أنت صاحبُ رأىٍ فى قومك أى هل أنت سيّداً فى قومك ..!!؟ فأجابه بلا .. !! عندها قام الإعرابى وردَّ وضعية الحِمل إلى ماكان عليه مرةً أخرى قائلاً لن أُساهم فى صناعة رأس فتنة .. !!
رغم وجاهة النُصح الذى قُدِّم للأعرابى إلاَّ أنه لم يُقِم له وزناً فالرأى عنده مايقول به الحكماء والوجهاء وسادة القوم أصحاب الحل والعقد والرأى والمشورة وليس سفهائهم كما يؤمن ويعتقد .. !!
مَرَدَّ الأزمة التى تعيشها بلادنا منذ عامين يرجع للتشويش الذى تتركه الآراء المُنكرة لأُناسٍ ليسوا بمرجعيةٍ فى الوعى والفكر والنضج السياسى ، وليسوا كرماء بذلوا أرواحهم ولا أموالهم ولا أفكارهم فى صنائع المعروف ، وليس لهم رسوخٌ فى العلم وهم والعدم سواء .. يُريدون لبلادنا أن تُصبِح بلا مناعة أمنية ولاسيادة وطنية طمعاً فى إصطناع مكانةٍ لهم فى السلطة والحكم بلا أُسس ولا أخلاق ولا إستحقاق للدرجة التى يسعون فيها لتشكيل حكومة ضرار يؤذوننا بها وبلادنا ، ويُسَوِّقونَ لحماقاتهم الضارة بإنجازهم الوحيد المتمثل فى العمالة التى بها يريدون القيادة والسلطة والريادة ..!!
لقد أظهرت لنا هذه الحرب اللعينة أنّ الإنسان السودانى لم يُعجزه ضعفه الذى ليس من طبعه ( إنما هو للغدر والأخذ على حين غِرَّة ) ، ولَمْ تُعجِزُه قِلَّة حيلته وهوانه على القوى الإقليمية والدولية .. ولَمْ يَتَّكِلُ على غيره ليدفع عنه الظلم والعدوان حينما رأى ظُلماتُ الوَدَقُ وبَلَلِه ، بل إستطاع صناعة مصادر قوته من إيمانه بالله ومن إلتفافه حول قواته المسلحة وأجهزته الأمنية سنداً ودعماً ومناصرة ومآزرة وليس من خارج مصانع الخارج .. فلم يكن من سبيل أمامه غير الإنتصار على هذا العدوان المليشى الذى لوكان فى بلدٍ آخر من البلدان التى قيّض الله لها القوة والمال والسبق لما إستطاعوا مواجهته والصمود أمامه ، فما يملكه الإنسان السودانى من قوة إيمانٍ وعزيمةٍ شئٌ غير قليل ولكنّها قوة مستترة أخرجتها للوجود هذه المحنة وجعلت منها مصدر قوة ..!! وجعلت منه ينظر إلى ذاته بيقين بأن النصر آتٍ طالما كان أكبر سلاحه هو الإيمان واليقين .. فهو يؤمن بأنّه وفى نهاية هذا الطوفان المليشى وإمتداده سيأتى الخطاب الإلهى ( يا أرض إبلعى ماءك ويا سماءُ أقلعى ) وسينتهى هذا الكابوس بعد أنْ أثبتوا بتمسكهم بأرضهم وحَقَّهم وقتالهم أنهم أُمّةٌ تستحق البقاء ، وسيسجل التأريخ تضحياتهم وستتناقلها الأجيال ، وسينتصرون لأنهم مِنْ خيرِ أمّةٍ أُخرجَتْ للناس يعرفون كيف يُخفِضون صوت النحيب فى أوقات النحيب ومتى يمسحون الدموع من المستضعفين ..!!
فهذا اللطف الإلهى بأهل السودان من نعم الله عليهم .. فكما تولى يوسف عليه السلام بالخلاص من غيابت الجُبٌّ بإحواجه القافلة للماء لتجد الكريم بن الكريم ، وأحواج عزيز مصر للأولاد ليتبناه ويَتَّخِذه ولداً وأحواج الملك لتفسيىر الرؤيا لينجوا من السجن ، وأحواج أهل مصر للطعام ليكون عزيزاً عليهم .. تولى أهل السودان برحمته لمعالجة الكثير من الإختلالات القِيَمِيَّة التى كانت يعيشها مجتمعنا ، وللإفاقة من الغفلة التى كانت تُظَلِّل بلادنا ( حكاماً ومحكومين ) فأرسل إليهم الكلاب الضالة لتَنهش أعراضهم وتقتل أبناءهم وتسرق أموالهم وتُخرجهم من أرضهم وديارهم .. وأحوجهم إلى الأمن والأمان وإلى دفء الوطن ليعرفوا قيمتهما وحتى يصونوا كرامتهم الوطنية ولايبيعونها .. وليكون شعارهم (لى وطنٌ آليتُ ألاّ أبيعه والاَّ أرى غيرى له الدهرُ مالكاً) وليسيروا فى طريق الإصلاح والتنمية باذلين أموالهم وأنفسهم فى سبيل ذلك حتى لاتكون للمليشيا ومن يدعمها كلمةً ومكانةً فى حياتهم ومستقبلهم فإنها كَرَّةٌ خاسرة ومعاذ الله أن يكون ذلك بعد أن رأوا آياته .
ستنتهى هذه الحرب قريباً بمشيئة الله وستسقط هذه القوى الإقليمية الشريرة التى أنهكت بلادنا ونهبت ثرواتها وتسببت فى كل مآسيها إلى الأبد وسترحل بممثليها وأمثالهم ومِثلييهم .. فَنِيلُنَا أعذب ماءًا من موردهم ، وفَشَقتنا وجزيرتنا أخصب من جدبهم وصحراءهم ، وقُطنُنَا أبقى من بترولهم وذهبنا أغلى من لؤلؤهم ، ودولة ٥٦ أعدل من ديموقراطيتهم الأُسرية ، وثقافتنا المجتمعية أجدر بالإحترام من خنوعهم لأسيادهم .. فليتركوا لنا جحيم تخلفنا السياسى وفقرنا الإقتصادى وليرحلوا إلى نعيم ديموقراطيتهم الهشة وغناهم وبَطَرهم .. فالذى بيننا ليس أمراً هينٌاً ..!! الذى بيننا يُتمٌ وتَرَمَّل ونزوح ولجوء وإذلال وإفقار .. الاَ تَعسَاً لهم ولتآمرهم والاَ بُعداً لهم كما بَعُدَتْ أُممٌ أمثالهم ..
فيا سيُّدى الرئيس لقد أمَّل فيكم هذا الإنسان السودانى أملاً عظيماً وصاحِبُ الأمل دوماً على عَجَلْ .. فعجِّلوا فى تحقيق المأمول حتى لا يُصاب بخيبة أمل .. !! فما وُجِدَ الرجال إلاّ لتحدى الصعاب .. وكونوا جِسراً مُعبّداً لتعبر عليه بلادنا أشواطاً نحو النصر والتنمية فالتأريخ قد بسط لكم ذراعيه فأكتبوا على صفحاته سِفراً يُلجِم ألسنة الحانقين فلا تفوتوا الفرصة عليكم والخيار خياركم والأمر أمركم ، وأعلموا أنكم ستترُكون هذا الكرسى يوماً وسيذهب زمانكم بما حوى وإحتوى ويبقى التأريخ وتبقى المواقف .. بل الدنيا بأجمعها زائلة ولن يبقى منها إلاّ خير زُرع أو جُود تم نَيله .. ولا نملك إلاّ أن نكون عوناً لكم بالحقِّ فى بناء هذا الوطن الذى طالما آمنَّا به وحلمنا به .. فدولتنا التى نراها الآن سيِّدى الرئيس تحتاج قوة وصلابة ، وأن نساوى بين أطرافها وأعراقها حتى يكون للنصر بركةً يتذوق الجميع طعمه وحلاوته .. وحتى لاتكون بلادنا دولةً هشّة لا قَدّر الله يَطمَعُ فيها من يريدون إعاقة الأفق أمام أهلها وإجبارهم على رؤيته من مرآة الأشخاص والقبلية والطائفية ..!! ومن ثُقب منظمات حقوق الإنسان المنحرفة وأطباءهم بلا حدود ومراسليهم بلا حدود .. ولكن الشعب قد وعى الدرس فمهما إستخدم القوم من وسائل الإكراه والإرهاب الفكرى ومن الدعاية والتشويه سيظل الإنسان السودانى حاملاً سيفه فى وجه كل من بتطاول عليه .. فكل الذى يأمله منكم هذا الإنسان المكلوم أن تأخذوا الأمر بحقه ولايملك إلاَّ الدعاء والأمل فى الله من بعد وله الأمر من قبل ومن بعد .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
لواء شرطة (م): د.إدريس عبدالله ليمان:
*السبت ١٤ ديسمبر ٢٠٢٤م*

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق