الجميل الفاضل:
إنها ثلاثة تجارب، أو قل ثلاثة محاولات لصناعة، أو لتعديل مجري التاريخ بطريقة ثورية فريدة.. هي تجارب مثلت علي أية حال، وبغض النظر عن نتائجها، علامات مضيئة في التاريخ البشري، من خلال اعتمادها أسلوب الكفاح الشعبي السلمي، كوسيلة وحيدة، ناجعة ومجربة في الإطاحة بثلاثة أنظمة عسكرية مستبدة بالسودان،
وللحقيقة، فإن “سلاح السلمية” ليس اختراعا سودانيا خالصا، رغم أن السودانيون قد برعوا بشكل مدهش في استخدامه، وبصرامة لاتضاهي، في زلزلة أقدام أعتي الديكتاتوريات، بل وبالعمل الناجح في ازاحتها دون عنف عن الحكم.
وبالتالي فإن الثورة بتعريف بسيط، ما هي في الحقيقة إلا محاولة جادة وعملية، للقفز علي الواقع بالتمرد علي سلطانه، وكسر قيوده، توطئة للسباحة والتحليق خارج غلافه الجوي، ونطاق جاذبيته.
باعتبار أن الثورات تسعي دائما لتحقيق ما يبدو عند الناس مستحيلا، لا ما هو ممكن بالطبع.
وبطبيعة حاله، فإن التاريخ “مناط عملية التغيير”، يظل شأنه شأن المادة، يتشكل في أطواره المختلفة، بحال، من أحوال المادة الثلاث: “السيولة، أو الغازية، أو الصلابة”.
وهنا أتصور من واقع التقلبات شبه اليومية لهذه الحرب، التي باتت بالفعل مفتوحة علي اسوأ الإحتمالات.
بأن السودان قد أضحي هو اليوم في خضم “تاريخ سائل”، متلاطم الأمواج، قابل لتحويل، أو تعطيل مجري ثورته، أو لتغيير مادة تاريخه، وشكلها ولونها.
فكما يقول “هايدن وايت” أحد أهم المؤرخين في القرن الماضي: “إن التاريخ ليس مادة لفهم الماضي، بل للتحرر منه”.
المهم فإن صنفان هما: بقايا الماضي في الداخل، وخصوم التقدم في الخارج، بدا وكأنهما يحاربان الآن بلا هوادة، عبر هذه الحرب نفسها، آخر معاركهما، لكي لا تصل ثورة ديسمبر المباركة الي غاياتها.
من خلال جهد متكامل ودؤوب، يبذله بتناغم تام، أعداء الثورة بالداخل، مع خصوم تقدمها بالخارج، للحيلولة دون استعادة قواها الحية لدوران عجلة التغيير.
فالصراع على السودان، وحوله، ما زال هو صراع مستمر، ولا زالت قصته مفتوحة، منذ اندلاع هذه الثورة المباركة والي يومنا هذا، سواء تحت ظلال سيوف الحرب وهي مشرعة الآن، أو حتي بعد غمدها غدا.
= ونواصل =