م. عبدالجليل حاكم:
لقد تابعنا في ماضي الأيام قراراً مركزياً صدر من وزير ديوان الحكم الاتحادي مفادة تقليص الوزارات بالولايات والأقاليم، نقرأ بين طيات أهداف صدوره الأزمة الإقتصادية الخانقة نتيجة هذه الحرب اللعينة التي تدور طاحونتها بالسودان هذا يمكن أن يكون مبرراً موضوعياً يوجب الإدارة الاقتصادية الرشيدة ويبرر تقليل حجم الترهل في المؤسسات الدستورية بالمركز والأقاليم، ومن هنا يجدر بنا القول بأنه يجب أن يكون صدور مثل هذه القرارات أن تبدأ من رأس الجهاز الدستوري بالبلاد، وبصفة أخص تقليص الوزارات الإتحادية ودمج ذات الإختصاص والمهام المتشابه خاصة في مثل هاتيك الظروف التي تعيش فيها عاصمة البلاد حالة النزوح الاداري بمدينة بورتسودان
تلك المدينة التي ضاقت ولم تسع مكونات العاصمة السيادية والإدارية والتنفيذية وكون أن يكون هنالك قفز للأقاليم قبل المركز في عملية تقليص الوزارات، لا أعتقد أن صرف الوزير الولائي أكبر من صرف الوزير الإتحادي المقيم بورتسودان والذي ينفق الدولة علي إيجار مكتبه وسكنه وإعاشته هو ومن معه من الإدارات وفريق مكتبه بكل تأكيد أكبر من صرف الوزير الولائي
فيما يلي أثر تلك القرارات على إقليم النيل الأزرق ذات الحكم الذاتي، نقول لابد من إستقراء التاريخ السياسي للإقليم إذ أنه من الأقاليم التي تعرضت إلى مظالم تاريخية في مختلف حقب الحكم قبل وبعد الإستقلال حيث كان إقليم النيل الأزرق من ضمن المناطق المقفولة إبان الحكم الثنائي الإنجليزي المصري وإستمر الحال علي ما عليه بعد الإستقلال وتمظهر ذلك في إستمرار سياسة وسلوك المستعمر وإن تدثر البعض بعبارات الوطنية الجوفاء التي لم تلامس الحقيقة من واقع الممارسة وفيما بعد أوصلت البلاد لحالة التشظي والإحتراب الذي لم يسلم من آثاره شبر من الوطن بسبب الذين باعوا ضمائرنهم للمليشيا المتمردة ورهنوا إرادتهم للاجنبي البغيض.
عليه لابد من سرد وتقديم إضاءة لخلفية ما دار من حراك ونضال سياسي تراكمي بدأه شخصيات وطنية وهبت أرواحها فداء من أجل أن يكون للنيل الأزرق وضع سياسي متميز داخل الدولة السودانية من بينهم الأباء المؤسسين لإتحاد عام جنوب وشمال الفونج الراحل عثمان أحمد عثمان الريح والزعيم الراحل الهادي التنجور فضل الله ومصطفي جلب أبو حواء ومحمد نور الفاضل وعبدالرحمن رجب أبو سته ورجب التوم خوجلي وريحان كالقو جاه الله ومالك موسي سعدالله والمناضلات بخيته الطيب ابشر وعوضية التوم عبده أونسة، وكذلك إتحاد عام منطقة الانقسنا مؤسسه الأستاذ كمندان جودة محمد ورفاقه، وإتحاد منطقة الفونج السيد عبد العال حامد ورفاقه ومن قبل هؤلاء مؤسسي قادة الحراك الإجتماعي والثقافي مؤسسي نادي ابناء الفونج بالخرطوم حي الديوم الشرقية في منذ العام ١٩٦٠م من بينهم الأب عبد اللطيف حامد ورفاقه.
فكان من بين أهم أهداف إتحاد عام جنوب وشمال الفونج أن يحكم أبناء النيل الأزرق اقليمهم ذاتياً استمر تلك النضالات وتضامنت معظم تلك التنظيمات مع الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان فكانت ثمرة تلك النضالات ما حققته الحركة الشعبية الجبهة الثورية في إتفاقها الأخير مع الحكم الذاتي الذي يُرتجى منه توسيع قاعدة المشاركة السياسية والتنفيذية والتشريعية بحكم الوضعية الجديدة للإقليم خاصة ومازال هنالك طرف من أبناء النيل الأزرق في الحركة الشعبية قيادة جوزيف توكا لم يوقعوا لإتفاق سلام بعد وفي اعتقادنا تجربة الحكم الذاتي أكبر محفز لهم للانضمام لركب السلام مما يجعل السلام في النيل الأزرق مستداماً وترياقاً لكل جراحات الحرب.
ومن هنا لابد أن يكون صوت شعب النيل الأزرق عالية معبرين بأهمية استثناء إقليم النيل الأزرق من قرارات تقليص الوزارات وذلك حتي يتثني لكل وزارة ذات اختصاص القيام بمهامة
في تطبيق مطلوبات الحكم الذاتي.
وتطبيق الحكم الذاتي يحتاج إلى وزارة تخطيط عمراني ياسس لبنية تحتية ويقود نهضة عمرانية وتخطيط حضري وينفذ مشروعات طرق وجسور وخدمات تعليم وصحة ومياه.
تطبيق الحكم الذاتي يحتاج لوزارة زراعة يقود نهضة خضراء ويطور الموارد الزراعية والغابية وثروة حيوانية التي ترفد الخزينة العامة بالمال وكذلك ينمي الثروة الحيوانية والسمكية.
وكذلك فإن تطبيق الحكم الذاتي يحتاج إلى وزارة ثقافة وإعلام يسهم في رفع الوعي ويعزز مفهوم الإنتماء للسودان والإقليم ويقوِّي اللُحمَة الوطنية، ويُبرِز التنوع الثقافي للمكونات الإجتماعية ويُعزِّز الوحدة في إطار ذلك التنوع، وتكون ناطقة بإسم حكومة الإقليم.
تطبيق الحكم الذاتي يحتاج إلى وزارة رعاية اجتماعية يسد الفجوة وسط الشرائح الضعيفة ويسهم في مشروعات العودة الطوعية للذين شردتهم الحرب من ديارهم والذين ما زالوا في معسكرات اللجؤ والنزوح.
تطبيق الحكم الذاتي يحتاج إلى وزارة شباب ورياضة يسخر طاقات الشباب نحو البناء واعادة ما دمرته الحروب ويدعم مشروعات التنمية.
تطبيق الحكم الذاتي يحتاج إلى وزارة متخصصة للحكم المحلي والقوى العاملة التي تعتبر العمود الفقري لنظام الحكم الذاتي لما له مصفات تجمع بين العمل الديواني والشعبي الذي يمثله الادارة الأهليةركيزة البناء الاجتماعي.
تطبيق الحكم الذاتي باقليم النيل الأزرق يحتاج الي مجلس تشريعي اقليمي يجعل من اتفاقية السلام مسودة اساسية للدستور بالاقليم ويسن القوانين التي تلائم وضعية حكومة الحكم الذاتي.
نكتب ولم يجف مدادنا الي أن يحتل اقليم النيل الأزرق مكانه الطبيعي داخل منظومة الدولة السودانية وكما هو الحال لأبناء النيل الأزرق في القوات المسلحة الذين تجدهم في كل شبر من الوطن وفي ميادين الوغي يخوضون حرب الكرامة من أجل عزة وكرامة الوطن وشعبه.
يبقي الرهان الأكبر علي تضامن كل أبناء إقليم النيل الأزرق بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية او المناطقية او الحزبية من أجل المحافظة علي تلك المكتسبات التي ضحي من أجلها المئات من أبناء هذا الاقليم وأهم ما في ذلك التمسك بنظام الحكم الذاتي للإقليم.