مقالات
الجميل الفاضل يكتب: سؤال المبتدأ جواب الخبر.. ميثاق “نيروبي” .. هل هو آخر فرصة أم أكبر تحدي؟

ما الذي حدث في العاصمة الكينية؟
عجلة التاريخ تعاود الدوران نحو غد مختلف
يبدو أن دورة جديدة من دورات الصراع في التاريخ السوداني، قد بدأت أمس بتوقيع “ميثاق السودان التأسيسي” الذي يعتبر لبنة أولي، لا تمهد لتشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان فحسب، بل هو إتجاه لإعادة الدولة برمتها إلى منصة التأسيس من جديد.
حدث ذلك في وقت ما زال الصراع فيه على السودان وحوله، صراعا مستمرا على أشده، ولا زالت قصته كذلك هي قصة مفتوحة على كافة الوجوه والإحتمالات.
لكن إلى أين تتجه بوصلة هذا التحالف الجديد؟
الهدف الرئيس إعادة تأسيس الدولة على قاعدة نظام علماني، وهوية سودانوية.
فقد تعهد “تحالف السودان التأسيسي” بإقامة دولة علمانية، ديمقراطية، لا مركزية في السودان.
وتضمن “ميثاق السودان التأسيسي” الذي وقعته أمس القوى المدنية والعسكرية المكونة للتحالف، أن دولة السودان تقوم على الحرية والعدل والمساواة، وعلى “هوية سودانوية”، ترتكز على حقائق التنوع التاريخي والمعاصر.
وحدد ميثاق تحالف “تأسيس” مهام حكومة السلام الانتقالية في حماية المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وإنهاء الحرب وتحقيق سلام شامل ودائم، بعد إسترداد المسار الديمقراطي للحكم.
وبدا لافتا توجه التحالف الجديد نحو حظر تأسيس أي حزب أو تنظيم سياسي على أساس ديني، مع منع تنظيم أي دعاية سياسية على أساس ديني أو عنصري.
بل ذهب ميثاق التحالف لتجرّيم كافة أشكال التطرف، والإنقلابات العسكرية، واستغلال الدين لأغراض سياسية.
مع الالتزام الصارم بالعدالة، والمحاسبة التاريخية، وبإنهاء ظاهرة الإفلات من
العقاب.
كما دعا الميثاق لتأسيس جهاز للأمن والمخابرات مهني الطابع تتحقق فيه شروط الإستقلالية التامة، وعدم الخضوع لأي ولاءات أيدلوجية، أو سياسية، أو حزبية.
مع العمل لتأسيس جيش جديد يعكس تنوع أقاليم البلاد، ويخضع في ذات الوقت منذ تأسيسه لرقابة وسيطرة المدنيين بالكامل.
كيفية وقف الإنحدار نحو الهاوية؟
إنشغال دولي بمنع إنزلاق السودان للفوضي
أنظر ما كشف عنه الرئيس الكيني وليام روتو في تغريدة على منصة إكس من إنه قد ناقش في مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيرو الدور المهم الذي تلعبه كينيا في توفير منصة لأصحاب المصلحة الرئيسيين.
بما في ذلك الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والجهات الفاعلة الأخرى، للمشاركة في عملية تهدف إلى وقف الإنزلاق المأساوي للسودان إلى الفوضى وضمان مسار نحو السلام المستدام.
ما هي دواعي تحويل مجري التاريخ نحو العلمانية؟
سيولة التاريخ تغري بتعطيل أو إبطاء إيقاع التغيير
الواقع أننا نعيش في هذه البلاد، نوعا من التاريخ السائل الذي لم يتماسك بعد، والذي يمكن التعرض له بتحويل أو تعطيل مجراه، أو تغيير مادته وشكله ولونه، فقد تم من قبل إجهاض عدة ثورات سلمية أو مسلحة، حتي أضحت كل ثورة منها كأنما هي إلا بقية معلقة من الثورة التي سبقتها.
فالتاريخ شأنه شأن المادة، يتبدي من حين لآخر في صورة من صور أحوال المادة الفيزيائية الثلاث.. إما صلبة، أو سائلة، أو غازية.
علي أية حال، فإن ما حدث بنيروبي أمس، ربما يمثل هو فرصة من فرص التاريخ النادرة، للخروج الآمن من نفق أزمات السودان المتطاولة.
مخرجات “نيروبي” منحة أم محنة؟
إضاعة الفرص سمة سودانية هل تتغير هذه المرة؟
المهم فان فرصة إجتماعات نيروبي ومخرجاتها، ربما تكون هي آخر الفرص التي لن يعقبها لو أنها فشلت في تحقيق غاياتها، سوي تصاعد كبير للعنف، وبالتالي مزيد من الموت، وشمول في الدمار.
ويبقي القول: أن فرصة تطورات نيروبي الأخيرة، هي فرصة يجب عدم إهدارها هذه المرة، كما هو الحال في كل مراحل التاريخ السابقة، التي ظل السودانيين أوفياء فيها لطبع واحد، هو طبع إضاعة الفرص، إذ هم قادرون دائما وبشكل مدهش ومحير، علي إبتهال أدني فرصة صغيرة، لإضاعة أكبر الفرص التي لا يكررها التاريخ عادة في كل مرة بسهولة أو بالمجان، ولا يعوضها بالضرورة إن عوضها هو، دون كلفة باهظة وثمن فادح.
من أين تتأتي إرادة تترجم الأحلام لواقع؟
للحظة الفعل التاريخي سحرها الفاعل وقوانينها الصارمة
فعن كثب من هذا الحدث الكبير والخطير، بمقدوري القول: إن الإرادة تستطيع متي توفرت، أن تعيش واقعاً أحلامها الكبيرة، وأن تجدد وسائلها كيفما شاءت، مهما بدت تلك الوسائل لدي البعض غير ذات جدوي، أو أنها بعيدة المنال، إما لعجز في إدراكهم لطبيعة تطور مثل هذه الصراعات الكبري، وللقوانين الذي تحكم في العادة مثل “لحظات الفعل التاريخي” هذه.
إنه عجز سيظل يدور بهؤلاء العاجزين، فيدورون هم معه كذلك، كثيران الساقية مغمضي الأعين، يعيشون به أحلام الآخرين لا أحلامهم هم بالطبع، والتي سيذوبون فيها ومعها، طال الزمن أوقصر.. لا محالة.
متي تتوج الأقدار لحظة فارقة؟
إنها لحظة تصنعها ديناميات نشطة وميكانزمات حاكمة
إذ أن “لحظة الفعل التاريخي” هي لحظة لها مفعول كمفعول السحر، تصنعها دائما ديناميات نشطة لا تفتر، وميكانزمات داخلية حاكمة لاسبيل للفكاك منها، تنتخب هي طلائع الفاعلين والمؤثرين فيها، قبل أن يتم تتويجها كلحظة فارقة متحققة علي أرض الواقع.
بأي مداد يرتسم طريق المستقبل؟
ميكانزمات داخلية تضيء الطريق وتقوي الثقة والعزم
فإن ميكانزمات داخلية من شأنها أن تضيء وترسم لهؤلاء الفاعلين والمؤثرين، خرائط طريقهم نحو المستقبل، تقوي إرادتهم وعزمهم، تمنحهم الثقة بأنفسهم، واليقين في قدراتهم، والإيمان بامكانية حدوث التغيير الذي ينبغي أن يحدث، والذي سيحدث هو بالفعل في النهاية.