مقالاتمنوعات وفنون
مصعب الصاوي ينعي الناقد والإعلامي علي يوسف

انتقل في خواتيم شهر رمضان المعظم وفي أيام العتق التي نرجو أن تكون شفاعة ومنجاة لروحه الطيبة الخيرة صديقي وزميلي ودفعتي بقسم النقد بكلية الموسيقى والدراما الأخ الحبيب والقلب بالغ الطيبة د.علي يوسف لتحط روحه التي ظلت تبحث عن (مكان ما) في أعلى مراقي المغفرة والرحمة والرضوان.
وكما قال سيد الوجود ( صلى الله عليه وسلم) إن ألسنة الخلق أقلام الحق فقد شهدت ألسنة الزملاء والأحباب وكل من عاشره بحسن الخلق وكريم السجايا ولين الجانب والسعي ماوسعه في قضاء حوائج الناس متصدقا صدقات يخفيها حتى عن جوارحه فهو ابن الجزيرة الخضراء وقلبه كذهبها الأبيض.
جمعتنا مقاعد الدرس بكلية الموسيقى والدراما والتخصص في مجال النقد والمحبة والعلاقات التي امتدّت لأسرنا ثم عاد الزمان مستديرا لتجمعنا بيئة عمل واحدة في الإذاعة والتلفزيون فهي عشرة عمر حقيقة لا مجازا، كان علي عليا في كل شئ في أخلاقه وفي تفوقه وفي تحصيله العلمي وفي جماهيريته داخل أسرة المعهد وخارجه بل وفي المجالات التي اختارها داخل التخصص، فجميع الزملاء في التخصص آثروا معالجة بحوثهم ومشاريعهم ومنهم أنا في مجالات الفنون من جوانبها التعبيرية والأسلوبية إلا علي فقد اختار في مشروع الدبلوما الصغرى جانبا فلسفيا وثقافيا صعبا عن التيارات الفكرية والفلسفية المعاصرة وواصل في هذا النهج حتى في مشروع تخرجه وكان شيخه وأستاذه الدكتور وائل الكردي الذي كان ينهل من علومه الفلسفية كظامئ في شاطئ نهر كنا نعجب من مثابرته في قراءة رؤى فلسفية كالجيستلت والشك عند ديكارت ونظريات مابعد البنيوية وكنا نداعبه بأن هذه الموضوعات الشائكة سيجني ثمارها درجات متواضعة فيقول أنا لم اختر النقد لأحصل على درجات (أنا أفكر إذن أنا موجود) ويضحك ونضحك ويضحك بكامل قلبه الطيب كطفل.
في كلية الموسيقى نجوم طلاب نجوم في التمثيل نجوم في الإخراج نجوم في الفنيات والديكور والأزياء نجوم في الموسيقى والعزف كانت نجومية علي هي نجومية (القبول) الجميع يحبه والجميع يرغب في مجالسته والجميع يبتسم له ويهش عند رؤيته.
كرت مسبحة الأيام وكبرنا وكبرت أحزاننا وصار لكل أسرة وعيال ومسئوليات جسيمة تنوء بحملها الجبال وظل هو على رأيه ذلك الفلسفي الذي لايتزحزح حول (مؤسسة الزواج) كما يسميها كان إنساناً حرا بالمعنى الجوهري للحرية بحيث لايعتدي على حرية أحد ولا يتدخل في ما لايعنيه ويعتقد أن الفنون خرجت من رحم واحد فهو مع أهل الموسيقى والتشكيل والأدب والرواية.
عمله في التلفزيون كان معدا وصانعا للمحتوى لكنه صانع محتوى بدرجة باحث من الوزن الثقيل لذا اتسمت أعماله بالدقة والتجويد حد الإتقان.
كان صديقه الأقرب الفنان ومصمم الديكور (حجو) وهو يشبه روحه وسماحته وأريحيته وعن طريق حجو عشق شمبات وأقام بها وصارت له وطنا ثانيا وقد بكته شمبات بدموع كالمزن في الهملان كما يقول أبوصلاح فقد صار جزءا من نسيج هذه البلدة يشاركهم أفراحهم وأتراحهم ويتطوع في مؤسسة (النيمة) لتدريس طلاب الشهادة السودانية دروس التقوية وقد بكاه هؤلاء الطلاب الذين رحل عنهم كطائر وديع بروحه الملائكية .
لقد فقدنا في الحرب أعزاء كثر حتى أدمى الفقد المتراكم قلوبنا فتكسرت النصال على النصال ولكن فقد علي العلي موجع لذا اكتب عنه إن لم يكن للتوثيق فللذكرى والعزاء.
اللهم إن عبدك علي يوسف جاءك فقيرا لرحمتك وأنت الغني عن عذابه اللهم إنه كان برّا حفيا متصدقا فأكرمه واجعل نزله مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
إنا لله وإنا إليه راجعون.