مقالات

الأمن بين الامتنان الإلهي والتحديات الإنسانية من الخوف إلى التداخل المؤسسي

د.صلاح عمر الطيب:

الأمن من أعظم نعم الله التي امتن بها على عباده، وهو قرين الغذاء في الآية الكريمة “فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”. الأمن بهذا السياق، ليس مجرد حالة عسكرية أو بوليسية، بل هو مفهوم شامل يطال كل ما يقلق الإنسان ويزرع الخوف في قلبه.
مع تطور الحياة البشرية، اتخذ الأمن أبعادًا متعددة.
في البداية، كان الإنسان يسعى لتأمين مأواه من تقلبات الطبيعة والوحوش، ثم تطور إلى بناء التجمعات السكنية، ومنها بدأت الحاجة إلى نظم قانونية وتنظيمية لضمان السلم الاجتماعي. ومع مرور الزمن، لم يعد الأمن محصورًا في الحماية الجسدية، بل شمل قضايا البيئة، الهوية الثقافية، الأخلاق، الاقتصاد، الغذاء، الصحة، والمناخ.
فما كان في الماضي نعمة مباشرة، بات اليوم هاجسًا مركبًا، وأحيانًا نغمة مزعجة بفعل آثار التطور.
مثال ذلك الثورة الصناعية التي يسّرت الحياة لكنها تسببت أيضًا في كوارث بيئية، كارتفاع درجات الحرارة وتزايد الفيضانات والجفاف بسبب تغير المناخ.
ومن هنا، بات الإنسان مجبرًا على البحث الدائم عن توازن بين التطور والتأمين، بين السهولة التقنية والاستقرار النفسي والبيئي.
لكن الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون اليوم – بل “الخطل”، وهو أشد من الخطأ – هو اعتبار تحقيق الأمن مهمة جهة واحدة عبر إجراءات محددة.
بينما الحقيقة أن الأمن منظومة تداخلية تشاركية تشمل:
الأسرة كحاضنة أخلاقية وتربوية،
المدرسة كمؤسسة غرس قيم،
الشرطة والقوات النظامية لضبط المخالفات،
الاقتصاد لتوفير مقومات الحياة،
الإعلام للتوعية وعدم إثارة الذعر،
والدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية لرسم السياسات الشاملة.
الأمن ليس إجراءً، بل بيئة متكاملة.
وكلما اتسعت دائرة الفهم، واتحدت الجهود، اقتربنا من تحقيق الأمن الذي ذكره الله سبحانه وتعالى وامتنّ به على عباده، والذي يبقى هو الأساس في أوقات التخلف كما في ذروة التطور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى