مقالات

كاليفورنيا تتمرد.. هل سيبدأ “الانفصال الناعم” عن أميركا؟

بقلم/ الطيب الجعلي الطيب:

الاتحاد الذي لا يصغي لأصوات مكوناته، سيتحول يومًا إلى ساحة صراع بدلا من أن يكون مظلة وحدة.

أزمة تتجاوز الشوارع

لم تكن الأيام الأولى من شهر يونيو الجاري عادية في ولاية كاليفورنيا. فقد تفجرت موجة احتجاجات واسعة في مدينة لوس أنجلوس بعد أن نفذت سلطات الهجرة الفيدرالية (ICE) سلسلة من المداهمات والاعتقالات الجماعية، شملت عشرات المقيمين غير النظاميين في أحياء ذات غالبية مهاجرة.
ولكن ما بدأ كغضب شعبي على ممارسات قسرية سرعان ما تحول إلى حالة عصيان مدني غير مسبوقة صاحبتها صدامات بين المتظاهرين والقوات الأمنية وامتدت إلى أنحاء متفرقة من الولاية.

في ذروة هذه الأحداث اتخذ الرئيس الأميركي خطوة مفاجئة حيث أمر بنشر الحرس الوطني الفيدرالي دون موافقة حاكم الولاية مستندا إلى سلطاته بموجب المادة 10 من القانون الفيدرالي (Title 10).
رد حاكم الولاية – غافن نيوسوم – كان حادا حيث صرح بأن “ما حدث ليس تدخلا اتحاديا بل غزو بغطاء قانوني”. داعيا إلى سحب القوات فورا الأمر الذي أدى الي تفجر أكبر أزمة دستورية بين ولاية أمريكية والإدارة الفيدرالية منذ عقود.

بداية الانقسام أم مجرد أزمة أمنية

ما يحدث في كاليفورنيا ليس فقط خلافا حول إدارة الاحتجاجات ولكنه أصبح يمثل صدام سياسي ودستوري بين ولاية تعتبر نفسها تقدمية النهج، وحكومة فيدرالية ذات توجه قومي ومحافظ.

كاليفورنيا، التي تعتبر سادس أكبر اقتصاد في العالم، لم تكن تخفي اختلافها عن واشنطن، لكنها أصبحت اليوم تتصرف فعليا ككيان سيادي داخل الاتحاد. فالحاكم لم يكتفي بالرفض السياسي بل قدم مذكرة قانونية لمحكمة الولاية العليا يعتبر فيها التدخل الفيدرالي انتهاكا للمادة الرابعة من الدستور الأميركي التي تضمن لكل ولاية حكومة تمثل سكانها.

الانفصال الناعم… دولة داخل الدولة

رغم أن الدستور الأميركي لا يسمح قانونيا بانفصال أي ولاية إلا أن ما يحدث في كاليفورنيا يشبه ما يسميه الخبراء بـ *”الانفصال الناعم”*، أي بناء سلطة سياسية وتشريعية وإدارية شبه مستقلة دون إعلان رسمي للخروج من الاتحاد.

مظاهر هذا الانفصال الزاحف تشمل:
– إصدار تشريعات مناقضة للقوانين الفيدرالية (الهجرة، المناخ، السلاح، الضرائب).

– إطلاق برامج اقتصادية مستقلة (مثل التأمين الصحي الشامل الذي تديره الولاية بمعزل عن الحكومة الفيدرالية).

– تأسيس منظومة للهوية الرقمية والتوثيق المدني مستقلة عن الحكومة الفيدرالية.

– توقيع اتفاقيات بيئية مباشرة مع حكومات دول ومدن أجنبية (مثل باريس وستوكهولم).

– الرفض العلني للتدخلات فيدرالية أمنية دون الموافقة التشريعية المحلية.

حركة Calexit… حلم مؤجل يعود للنقاش

مع فوز ترامب في فترته الرئاسية الاولى عام 2016، عادت حركة Calexit الداعية لانفصال كاليفورنيا إلى الواجهة لكنها اصطدمت بعقبات دستورية وشعبية. ولكن اليوم وفي ظل التوترات الأخيرة بدأت الحركة تعيد تموضعها عبر المطالبة بـ *فيدرالية جديدة* تسمح للولايات بسلطات تنفيذية وتشريعية أوسع.

في آخر استطلاع للرأي أعرب 32% من سكان كاليفورنيا عن تأييدهم لفكرة الاستقلال مقابل 48% رفضوا ذلك، ما يعني أن أرضية التغيير السياسي موجودة وإن لم تنضج بعد دستوريا.

هل نحن أمام بداية “تفكك ناعم” لأميركا؟

قد لا تصل الأمور إلى الانفصال المباشر الذي يعد ضرب من المستحيل بموجب الدستور الأمريكي، لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة الآن تمر بأكبر توتر داخلي منذ الحرب الأهلية.
فالصراع لم يعد حول قوانين، ولكنه صار حول من يملك الحق في اتخاذ القرار داخل الولاية.

لا شك أن استخدام الحكومة الفيدرالية للقوات المسلحة ضد إرادة حكومة ولاية منتخبة قد يشكل سابقة خطيرة، ويفتح الباب أمام ولايات أخرى – مثل نيويورك و أوريغون أو حتى هاواي – للبحث عن خيارات سياسية أكثر استقلالا في حال تفاقمت المواجهات الدستورية.

ما يحدث الآن ليس فقط أزمة ولاية ولكنها أزمة اتحاد

ربما لا يمكن لكاليفورنيا ان تنفصل عن أميركا، ولكن المؤكد أن شكل الولايات المتحدة الذي نعرفه قد لا يبقى كما هو، اننا نعيش لحظة إعادة تعريف للفيدرالية الأميركية، وفي السنوات القادمة قد نرى أميركا وقد تحولت من دولة موحدة إلى تحالف ولايات شبه مستقلة، يربطها فقط الدولار والجيش ويفصلها كل شيء آخر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى