مقالات

الضربة الاستباقية.. من يقود قرار الحرب في أمريكا؟

د. صلاح عمر الطيب:

حين تدخل الولايات المتحدة حربًا إلى جانب إسرائيل ضد إيران يتجاوز الأمر مجرد تحالف تقليدي. بل إنه يطرح سؤالًا جوهريًا هل واشنطن ما زالت تمسك بزمام قرارها السيادي أم أنها تتحرك أحيانًا ضمن أجندات ضاغطة لا تعكس بالضرورة أولويات أمنها القومي
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تلقى تحذيرات واضحة من مستشاريه الأمنيين بشأن خطورة التصعيد العسكري مع إيران. وأفاد في تصريح للإعلام بأنه سيحدد موقفه من المشاركة خلال أسبوعين، في ما بدا أنه محاولة لكسب الوقت أو امتصاص الضغوط. غير أن المفارقة أن القرار العسكري لم ينتظر أسبوعين ولا حتى ثلاثة أيام. ففي غضون 48 ساعة فقط، تحركت الطائرات الأمريكية ووجهت ضربات إلى أهداف إيرانية معلنة دخول الولايات المتحدة الفعلي في المواجهة.
هذا التناقض يفتح بابًا واسعًا للتساؤل حول من يملك القرار في مثل هذه اللحظات المصيرية. فالدستور الأمريكي يمنح الكونغرس صلاحية إعلان الحرب، وليس الرئيس وحده. تجاوز ترامب لتلك الصلاحية الدستورية يشي إما باندفاع غير محسوب، أو بوجود قوى غير ظاهرة تدفعه نحو هذا الاتجاه.
المشهد يزداد تعقيدًا حين نعلم أن إدارة ترامب كانت تجري محادثات مع طهران حول الملف النووي عبر وساطة عمانية، وكان من المقرر عقد اجتماع حاسم يوم الأحد. غير أن الضربة الإسرائيلية وقعت يوم الجمعةأي قبل الموعد بـ 48 ساعة، مما أدى إلى انهيار مسار التفاوض.
من الصعب تجاهل التكرار الرمزي لهذا الرقم 48 ساعة كمهلة زمنية يتم فيها حسم قرارات مفصلية، سواء في مسار الحرب أو التفاوض. ويبدو أن الرئيس لم يكن حرًا تمامًا في أي من الاتجاهين.
هذه التطورات تعيد إلى السطح مصطلحات مثل الدولة العميقةأو الدولة الخفية وهي مفاهيم باتت تُطرح بقوة في النقاش السياسي الأمريكي خاصة حين تتخذ الحكومة قرارات استراتيجية تبدو مناقضة للمصلحة الوطنية أو غير نابعة من مؤسساتها الدستورية.
أما من حيث التداعيات، فإن دخول أمريكا في حرب مباشرة مع إيران يُعد مقامرة كبرى. فمضيق هرمز، شريان الطاقة العالمي، معرض للغلق أو التعطيل. كما أن القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج والبحر الأحمر تصبح أهدافًا مباشرة. وإيران، بما تملكه من أدوات عسكرية وشبكات إقليمية، قادرة على تحويل أي مواجهة إلى حرب استنزاف طويلة وغير متوقعة.
الخلاصة أن ما يجري ليس مجرد قرار عسكري بل اختبار حقيقي لقدرة أمريكا على التحكم في قراراتها السيادية بعيدًا عن الضغوط والولاءات غير المعلنة. والأيام القادمة كما هي العادة، كفيلة بكشف المزيد من الحقائق الصادمة.
د. صلاح عمر الطيب
باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى