ممر الفئران بين ظلام الأدب وخيانة الواقع

د.صلاح عمر الطيب أحمد:
ما دمنا بصدد الحديث عن الحرب، في السودان حرب الإطاري كما بشر بذلك بعض السياسين أما الإطاري أو الحرب وقامت الحرب فلا بد من التوقف في بعض الأعمال الأدبية التي تناولت مصائر الشعوب في أزمنة القهر والإنهيار، فبعض الكتّاب يمتلكون من الرؤية والبصيرة ما يجعل أدبهم يُحاكي الواقع بدقة، لدرجة أنك ترى نفسك ومجتمعك متجسّدين في سطور رواية كتبها آخرون منذ سنوات.
من أبرز هذه الأعمال، رواية ممر الفئران للراحل الدكتور أحمد خالد توفيق، والتي تستحق أن نُعيد قراءتها اليوم في ضوء ما نشهده من مآسٍ وصراعات، لا سيما ما يحدث في السودان بسب الحرب والتي لها أسبابها السياسية والاجتماعية المتشابكة.
الرواية باختصار:
تبدأ الرواية بحدث كوني ضخم: نيزك يوشك أن يصطدم بالأرض، فيتغير سلوك الناس فجأة إلى الأفضل، ويبدؤون في تصفية أمورهم الحياتية على عجل وكأنهم يستعدون للرحيل. تزوج البطل رامي من محبوبته فاتن في تلك اللحظة الفاصلة، لولا النيزك لما تزوجها.
لكن النيزك لا يفني العالم كما كان متوقعًا بل يُغرق الأرض في ظلام دائم بسبب الغبار الكوني الذي يحجب الشمس. يتغير شكل الحياة بالكامل وتعتمد البشرية على حاستي الشم والسمع بينما يُصبح البحث عن النور جريمة يُعاقب عليها بالإعدام.
في هذا العالم يظهر ديكتاتور يُدعى الكمدان يتحصن في جبال الهملايا، ويمنع أي محاولة لإشعال الضوء. له شرطة مسلحة بنظارات ضوئية وكلاب مفترسة، تفتك بكل من يجرؤ على مخالفة الأوامر، ومع استمرار القمع لعقود، تظهر حركة معارضة تُعرف بـ”النورنيين”، يسعى أفرادها إلى قتل الكمدان وإعادة النور للعالم من بين هؤلاء البطل رامي وشرقاوي” المصري وفيكتور” الإيطالي وسيدتان. يتسللون ضمن قافلة عبيد إلى مقر الكمدان، لكن في لحظة الحسم، يُشي بهم “شرقاوي”، ويكون جزاؤه أن يُصبح هو الكمدان الجديد.
الرواية والواقع:
هنا تبرز أوجه التشابه المذهلة بين الرواية والواقع. وكأن أحمد خالد توفيق رسم شخصيات من حاضرنا بدقة مخيفة الظلام السياسي، القمع الخوف من الحقيقة، وانقلاب المثقفين أو المناضلين إلى أدوات استبداد.
لقد أصبح الظلام في الرواية استعارة للواقع السياسي والاجتماعي، والبحث عن النور أي الوعي الحرية، التغيير جريمة كما هو الحال في بعض الدول اليوم.
والأخطر من ذلك، أن الخيانة تأتي من الداخل من رفيق الكفاح من ذلك الذي كان يُنادي بالتغيير، فإذا به يتحوّل إلى المستبد الجديد. تلك الخيانة التي قد نجدها ماثلة في كثير من الأحداث حولنا، حيث يتحوّل بعض من وعدوا بالحرية إلى أعدائها.