محمد بابكر يكتب: على العائدين إلى الخرطوم أن يوقدوا شمعة بدلا من أن يلعنوا الظلام

تُعتبر الصناعات الدفاعية ركيزة أساسية للأمن القومي لأي دولة، حيث يقع على عاتقها مهمة تطوير وتوفير القدرات العسكرية اللازمة لحماية الوطن. لكن دور هذه المنظومة الحيوية لا يقتصر على أوقات النزاعات والحروب فقط، بل يمتد ليشمل مسؤولية مجتمعية عميقة ومتعددة الأوجه تجاه المواطنين والمجتمع، سواء في أوقات السلم أو الحرب أو في مرحلة ما بعد الحرب.
لم تعد منظومة الصناعات الدفاعية في السودان مجرد أداة للحرب، بل أصبحت شريكًا أساسيًا في التنمية والسلام. فمن خلال تحملها لمسؤوليتها المجتمعية، يمكنها أن تتحول من درع يحمي الوطن في أوقات الخطر، إلى يد تبني مستقبله في أوقات السلام،
لتثبت أن القوة الحقيقية لا تكمن في القدرة على التدمير، بل في القدرة على البناء والتعمير.
خلال فترات الحرب، تتجلى المسؤولية الأولى لمنظومة الصناعات الدفاعية في مهمتها الأساسية دعم القوات المسلحة وتزويدها بالعتاد والتقنيات اللازمة للدفاع عن سيادة الوطن وحماية مواطنيها. هذا الدور لا يضمن التفوق الميداني فحسب، بل يبعث برسالة طمأنة للمجتمع بأن أمنه واستقراره يقع في أيدٍ أمينة.
إلى جانب الإسناد العسكري المباشر يمكن للصناعات الدفاعية أن تلعب أدوارًا حيوية أخرى
فيمكن أن تساهم الخبرات الهندسية والتقنية في منظومة الصناعات
في حماية وإصلاح البنى التحتية الأساسية التي قد تتعرض للاستهداف، مثل محطات الطاقة والمياه وشبكات الاتصالات. التي تعرضت للتدمير المنهج في الخرطوم وبحري وجنوب الخرطوم وغيرها مما يساهم في عودة عجلة الحياة لهذه المناطق وعودة ساكنها ليجدو الخدمات الاساسية(مياه كهرباء) متوفرة مما يسارع في عملية العودة التطوعية للوطن.
إن توفر الكهرباء يعد شريان الحياة الأساسي الذي تعتمد عليه كافة الخدمات الأخرى من مياه وصحة وتعليم وأمن و إن توفير إمداد كهربائي مستقر وموثوق هو بالفعل حجر الزاوية لعودة الحياة إلى طبيعتها في الخرطوم وتشجيع المواطنين على العودة إلى ديارهم.
تمتلك هذه المنظومات قدرات لوجستية هائلة يمكن تسخيرها لدعم الجهود الإنسانية، وتوزيع المساعدات، وتوفير المواد الغذائية في مراكز منتشرة بين سكن المواطنين بأسعار مخفضة.
يمكن توجيه البحث والتطوير الذي كان يصب في تطويرالأسلحة، لابتكار حلول لصناعة مولدات كهربائية والواح للطاقة الشمسيةللاسراع بعودة المواطنين من الولايات التي نزحو إليها ومن الدول التي لجأو اليها وتطوير أنظمة إنذار مبكر أو معدات وقاية شخصية متطورة.
لاية هجمات متوقعة مستقبلا.
حين تضع الحرب أوزارها في أية منطقة من المناطق تبدأ معركة من نوع آخر معركة البناء والإعمار وهنا تبرز المسؤولية المجتمعية للصناعات الدفاعية بشكل أكثر وضوحًا، حيث يمكنها أن تكون لاعبًا محوريًا في عملية التعافي والنهضة.
قامت منظومة الصناعات الدفاعية في السودان بدور بارز في ترحيل المواطنين السودانيين من مصر إلى السودان، وذلك في إطار ما تصفه بـ “مشروع العودة الطوعية” ومسؤوليتها الاجتماعية.
حيث سيرت المنظومة مئات الرحلات المجانية عبر حافلات لنقل آلاف المواطنين السودانيين من مصر إلى مدن مختلفة في السودان مثل عطبرة وشرق النيل.
تأتي هذه الجهود ضمن “مشروع العودة الطوعية” الذي تنفذه المنظومة برعاية وإشراف مباشر من مديرها العام، الفريق أول مهندس ميرغني إدريس.
يُعد هذا المشروع كاستجابة وطنية وإنسانية لمعاناة السودانيين الذين لجأوا إلى مصر بسبب الظروف الصعبة في بلادهم، حيث وُصفت هذه المبادرة بأنها “سفينة نجاة” من قبل بعض العائدين الذين كانوا لايجدون ثمن تذكرة العودة.
أن عمليات ترحيل السودانيين من مصر تتم في سياق أوسع يشمل أيضًا إجراءات من قبل السلطات المصرية تجاه من يدخلون البلاد بطرق غير شرعية.
منظومة الصناعات الدفاعية تؤكد أن هذه المبادرات تأتي كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية والوطنية تجاه المواطنين. ويتجاوز دورها في هذا المجال ترحيل المواطنين ليشمل المجال الصحي
فقد عقدت المنظومة شراكات مع وزارة الصحة لتأهيل المستشفيات والمراكز الصحية وتوفير المعدات الطبية.
هذه المبادرة كانت لمن يرغب في العودة وليس الزاما للمواطنين وفي تقديري هذه المبادرة كانت بردا وسلاما لكثير من الاسر الذين عجزو عن توفير ثمن تذكرة لاحد أفراد الأسرة.
ليس كل العائدين كانو يقصدون الخرطوم (الجريحة) فكثير منهم وصل إلى محليات وقري الجزيرة و سنار ودمدني وشرق النيل والفاو والنيل الابيص وعطبرة
فبدلا من انتقاد هذه المبادرة التي جاءت في وقتها وخففت كثيرا لاهلنا السودانيين
علينا دعم هذه المبادرة ولو بشئ من العصف الذهني وإضافة بعض المقترحات للقائمين بأمر المنظومة. على مبداء ان توقد شمعة خير من ان تلعن الظلام.
فالصناعات الدفاعية تمتلك إمكانيات فنية وتصنيعية وموارد بشرية هائلة. يمكن إعادة توجيه هذه القدرات من إنتاج العتاد العسكري إلى تصنيع مواد البناء، والمولدات الكهربائية، والآليات الثقيلة اللازمة لإعادة بناء الطرق والجسور، ووحدات الإسكان الجاهزة. هذا التحول لا يسرّع من عملية إعادة الإعمار فحسب، بل يضمن استمرارية عمل هذه المصانع ويوفر فرص عمل للمواطنين. مما يضخ الدماءفي عاصمة الخير والجمال الخرطوم
أيضا الصناعات الدفاعية لديها مهندسون وخبراء
يمتلكون خبرات متقدمة في مجالات متعددة يمكن استثمارها في مشاريع إعادة الإعمار، مثل إعادة تأهيل محطات الكهرباء والمياه، وتخطيط المدن، وتطوير شبكات الصرف الصحي.
الصناعات الدفاعية تلعب دورًا مهمًا في الاقتصاد الوطني من خلال توفير آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة. وفي مرحلة ما بعد الحرب، يمكن لهذه الصناعات أن تكون قاطرة للنمو الاقتصادي من خلال قيادة مشاريع كبرى، مما يحفز قطاعات أخرى ويسهم في تحقيق الاستقرار.
يمكن للشركات التابعة للمنظومة الدفاعية أن تتبنى مبادرات لخدمة المجتمع، مثل دعم وتطوير المدارس، خاصة في المناطق النائية،
و توفير برامج تدريب مهني للشباب لتأهيلهم لسوق العمل و لتحريك الأسواق ونفي الفقر عن المواطنين هذه الجملة قالها لي السفير الياباني عند مرافقتي له لمدينة كسلا الافتتاح مركز للتدريب المهني في العام 2012 ( قال بأن فتح مراكز التدريب المهني اسرع الطرق لتحريك الأسواق ونفي الفقر عن المواطن ودعم الحكومة في الجانب الاقتصادي)
كما أن الشفافية والشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني تعتبران ضروريتين لضمان أن جهود إعادة الإعمار تخدم مصلحة الوطن والمواطن.
أن الاستثمار في رأس المال البشري هو أساس التنمية المستدامة.
لتحقيق هذا الدور بفعالية، يجب أن تلتزم منظومة الصناعات الدفاعية بمبادئ المسؤولية الاجتماعية للشركات.



