فليب غبوش يخفي نفسه عاما وفضل الله محمد يكلفني بمقابلته لأجل سؤال واحد فقط
من تحت وسادة الأيام..

كان اسمه حاج ابراهيم ويسكن جوارنا.. وماذا قال علي عثمان محمد طه لفضل الله محمد؟
كتب/ عادل حسن:
دنيا السياسة هي هوج متلاطم من عاتيات الأحداث ومناخا مصيفا ومشتيا في وقت مشترك ثم حواجز ومطبات تتهدد حتى الملاح التائه في عالم ساسة يسوس.
المهم في الأمر ان دنيا الصحافة هي الأخت غير الشقيقة للسياسة ولو بالرضاعة، وأذكر أن الاب فليب عباس غبوش، السياسي الطرفة في وقت ما من حكم الانقاذ كان قد أخفى نفسه عاما كاملا دون أن يعرف له أحد عنوانا أو مكانا، وترك ألف سؤال من الاستفهامات الحارقة في لظى الساحة السياسية الملتهبة وقتذاك.
وذات نصف نهار شات حضرت إلى مقر صحيفة الخرطوم ودلفت عبر الاستقبال مسرعا فطلب مني موظف الاستقبال واسمه الباقر الطيب أن اقابل أستاذ فضل الله محمد، رئيس التحرير ضروري كما كلفه بذلك
وبالفعل قابلت أستاذ فضل الله داخل مكتبه فارتشفنا قهوة الظهيرة معا ولم يشاركنا دكتور إبراهيم دقش كالعادة في هذا اليوم وبعد تبادل القفشات والضحكات استعاد استاذ فضل الله جلسته الماهلة على المقعد، وقال: اسمع يا عادل أنا عاوز أكلفك بعمل صحفي كبير وبسخريته المحببه أضاف وانت(صحفي صغير) أريد أن يزيد حجمك فقلت له : حاضر أستاذ فضل الله ثم قال وبهدوئه المخيف: انا أكلفك بالبحث ومقابلة فليب عباس غبوش، كسبق صحفي كبير لك وللخرطوم فقبلت التحدي بعد أن أفادني ببعض المعلومات الأساسية لكيفية البحث وكان غبوش وقتها اختفى ولا أحد يعرف مكانه حتى الأجهزة الأمنية وكثرت الإشاعات، هناك من يقول غادر الي الجبال بلا رجعة وهناك من قال اعتقلته السلطات من غير إعلان كما روجت له بعض المنظمات الكنسية وهناك من يردد بأن الأب والقسيس فليب عباس غبوش قد اعتنق الديانة الإسلامية وأخفى نفسه تماما.

عموما بدأت أرتب للمهمة الشاقة وذهبت ذات صباح إلى دار الحزب في أم بدة مستخدما سيارة الأجرة لعلني أجد الخفير أو أحد القاطنين في المبنى ومع يقيني التام بأن هناك من يراقب دار الحزب بثلاثة أعين وأنف واحد
ولاحظت بأن بالوعة المبنى بالخارج جافة تماما ولا أثر للحياة غير اللافتة (الحزب القومي السوداني)، فغادرت الموقع راجلا لمسافة بعيدة ثم عدت للصحيفة عبر التاكسي فأخبرت استاذ فضل الله محمد بعد أن خرج من عنده عمر الكاهن وودالشول والزبير سعيد، فقال لي واصل تكليفك واسأل لا تيأس وأضاف بأنني مفرغ لهذه المهمة “ولا تكتب لا مساءات لا ظلال المساء هذه الهطرشات” قالها وهو يضحك ويداعبني.
وفي اليوم الثاني من البحث المضني والاجتهاد المقلق كنت في المنزل أفكر في كيفية فك طلاسم مهمتي الشقية زارني لحظتها أخي وصديقي الحبيب أستاذ قسم خالد ومعه إخوته ناصر خالد وعلي خالد ولحظة خروجهم من البوابة دلفوا إلى سيارتهم الفارهة ألقى علينا التحية أحد شباب الحي المثقفين والناشط في المجتمع واسمه اسحق فردينا عليه التحية على طريقة البروف علي المك وطلبت منه أن يحضر الي في المنزل بعد ربع ساعة ووافق.
جاري الشاب اسحق الذي كنت احضر اليه كل الصحف مساء عودتي للمنزل، وبالفعل أتاني جاري إسحق وارتشفنا القهوة وتبادلنا الحديث لزوم تهيئته لسؤالي المشنوق ما بين حسن ظن أستاذ فضل الله وبين مشقة لقاء فليب غبوش.
وعندما قلت له اخي وصديقي وجاري اسحق انت شاب نشط في خدمة كل أهل حي البوستة ورئيس اللجنة الشعبية بالحي أريد منك أن تخدمني في أمر بسيط فقال بأم عيوني يا استاذ، فشكرته واللحظة الحرجة التي كنت فيها لإلقاء سؤالي سمعت صوت عصفورة الباب الخارجي تزغرد فإذا به صديقي الراحل إبراهيم عثمان يزورني في المنزل بعد ان وصل من السعودية قبل 24 ساعة فعرفته علي جاري وصديقي اسحق دون أن اضيف اسم والده واستأذن جاري وخرج على أمل العودة بعد ساعة، وانا على قلق وتوتر وشد وجذب.
المهم عاد اسحق وسألته في مباشرة حارة أريد أن تخدمني في أمر سياسي يا إسحق لأنك تتعاطى السياسة وملم بكل تفاصيلها، فقال لي: أبشر وما هو طلبك فقلت له بعد صمت إنني اطلب أن تساعدني أو تدلني على مكان أو مقر الأب فليب عباس غبوش لكي أزوره فقط لا غير.
فقال لي وهو يضحك جدا وسوف أفيدك عند مساء اليوم
وهنا أحسست بأن كل حظوظ الدنيا تزاحمت عندي
وهاتفت أستاذ فضل الله محمد بالأمر فقال لي اذا وجدته اسأله سؤال واحد مهم وأهم وهو
هل فليب غبوش اعتنق الدين الإسلامي؟
وعند المساء وأنا أجلس لأول مرة أمام البوابة على الشارع اتلهف واستجدي ظهور الشاب اسحق وبالفعل لمحته قادم من بقالة الحي الناصية فاستقبلته ببرود مصطنع فدلفنا إلى داخل المنزل وقبل أن اسأله، قال لي اسحق يا أستاذ انت باكر معزوم فطور عندنا في البيت، وسوف انجزت لك أمرك، فقلت له لالا يا اسحق اعفيني من دعوة الفطور فضحك وقال (ضروري ضروري) هكذا ردد العبارة وفعلا لبيت دعوة الفطور في منزل إسحق الذي يفصل بيننا منزل واحد فقط من الناحية الجنوبية وعندما طرقت الباب ارتفع صوت مرعب من كلب الحراسة الضخم داخل القفص وتبعت اسحق إلى غرفة داخلية معزولة ويا لها من مفاجأة فوجدت رجلا ضخما يكسو رأسه بياض الثلج ولحية ممدودة ومشذبة ومظهر ملبس بلدي يسمونه (علي الله).

وقف هذا الكهل الضخم وعانقني باحتضان أهلا وليدي
إنه فليب عباس غبوش بلحمه وشحمه ونادي علي زوجته القبطية الملامح فعرفها هذا وليدي جارنا وصديق إسحق.
فأحضرت الإفطار المبسط الراقي وعصير التبلدي وتركني اسحق لوحدي مع الأب فليب ومنه عرفت بأن إسحق هو ابن فليب عباس غبوش من زوجته الأولى ، فاستمر الأنس والتعارف حتى وقت الظهيرة.
وفي المرة القادمة سوف نكتب لكم ماذا جرى في أخطر الإفادات وأجمل المحطات والذكريات في حياة فليب عباس غبوش وماذا جرى ما بين فضل الله محمد وعلي عثمان، بخصوص الحوار ولماذا عدت انا إلى مدينة جدة وأشياء أخرى.




